رجل بلا ذاكرة





- الموضوع بدأ إزاي؟ إزاي قدرت تحقق كل النجاح ده في فترة قصيرة؟
• بدأ بحادثة..
- حادثة!؟
• أنا جيت النهاردة عشان أحكي حكايتي، عشان لو هي شايفاني.. لو هي موجودة.. تعرف تلاقيني..
- هي مين؟
• البنت اللي بتجيلي دايما في الحلم.
- امممم، طيب أنا متأكدة إن قصتك هتبقى مميزة، ومتأكدة إن أنا وكل جمهورك، مستعدين نسمعك.
• شكرا ..
اسمي بعد الحادثة عبد الرحمن سالم كاتب زي ما انتوا عارفين. ومش عارف اسمي كان إيه قبلها.. أو كنت بعمل إيه في حياتي.. من 3 سنين صحيت في غرفة العناية المركزة، مش قادر أتحرك، كان فيه كسر في رجلي، كسر في إيدي، كسر في الرقبة، وضرر في عمودي الفقري.. بس الأسوأ كان إني مش فاكر اسمي.. مش فاكر ايه اللي جابني هنا، مش فاكر اللي حصلّي، وبعد فترة اكتشفت إني مش فاكر حاجة خالص..
دخلت الممرضة، وندهت على الدكتور، وبصتلي قالتلي: "حمد الله على سلامتك"
ساعتها عيطت، لإني مكنتش شايف الممرضة، ومكنتش قادر أحرك رقبتي عشان أقولها..
طبطبت عليا وقالتلي: "معلش، هو يوم سئ وهيعدي."
ساعتها ضحكت.. صح أنا ليه مكبر الموضوع، ده يوم سئ وهيعدي.. ودلوقتي أكبر مشاكلي إنه يعدي.
عدى شهر، مش شايف فيه وش أي حد بيكلمني.. كل اللي كنت بشوفه السقف.. وساعتها عرفت ليه لما بتسيب طفل نايم على ضهره وتسيبه وتمشي بيعيط.. ومن سخرية القدر إني كنت زي الطفل فعلا، بذاكرة صفر، من غير هموم، ولا ماضي.. ولما بدأت أتكلم بشكل طبيعي، مع الممرضة قالتلي لو فكرت في اللي حصلك على إنه نعمة، مش بلاء ده هيساعدك.. كإنك طفل، هتحتاج وقت لحد ما تمشي، وقت لحد ما تتكلم، لحد ما يبقى عندك رصيد من الذكريات.. لحد ما يبقى عندك حياة مرة تانية.
بمرور الوقت، ومع العلاج، بقيت أقدر أخرج من أوضتي، وأتمشى.. بحضر جلسات العلاج النفسي، اللي كنت بنهار في بدايتها.. لكن بالوقت بقيت أحسن فعلا..
لحد ما تعافيت تماما، جسديا، ونفسيا.. لكن كانت لسه ذاكرتي مفقودة. زيي تماما.
الجمعية الخيرية اللي تكفلت بحالتي من بداية العلاج لحد نهايته، وفرت ليا مسكن ووظيفة.. وكمان اسم!
بقيت عبد الرحمن سالم. لإن محدش قدر يعرف أنا كنت مين قبل كده! وده كان شئ مش مفهوم!
يوم استلام هويتي، كان يوم مؤثر.. مجرد ورقة، بتحدد إنت مين. مكانك فين. مجرد اسم، بيحدد عيلتك، وديانتك، وشكل حياتك..
مجرد ورقة كان ممكن ترجعني لحياتي مرة تانية..
بعد سنة ونص تقريبا بدأت أشوفها.. بنت جميلة، حزينة، بحلم بيها كل يوم.
لما بشوفها بحس إني فاكر.. فاكر أنا مين. .بس ما بفتكرش فعلا!
كانت بتكلمني في الحلم.. ولما تيجي تنطق اسمي صوتها ما يطلعش.
كان الحلم بيبقى عبارة عن مكان غريب فيه كرسيين، أنا قاعد على واحد، وهي على التاني.. بحاول أسألها هي مين، أنا مين.. واسمي ايه، واسمها ايه.. ومكانتش بترد عليا.
رجعت للعلاج النفسي، والدكتور نصحني بكتابة أي ذكرى أستعيدها، أي اسم، أي مكان..
نصحني إني أكتب قصص عشتها قبل ما أفقد ذاكرتي.. وساعتها قلتله إزاي يعني وأنا مش فاكر أي حاجة؟
قالي تخيل..
ومن وقتها بدأت أكتب، قصص كانت سعيدة في الأول.. كنت بختارلها أماكن أنا مرحتهاش بعد الحادثة!
كل حاجة كانت من خيالي.. كنت بعمل ذاكرة بديلة.. زي واحد بيكتب يومياته زي ما كان يحبها تكون، مش زي ما كانت فعلا..
في القصص دي حبيت البنت اللي بشوفها، واتجوزنا، كان عندنا بيت، ومشاكل نتخانق مع بعض بسببها، ونحلها سوا، مكانش لينا غير بعض، مكانش ليها غيري..
كانت بتشتغل مدرسة، وأنا كنت موظف حكومي عادي..
حياتنا كانت هادية، كانت سعيدة..
والقصص كانت وردية، في القصة دي بنتقابل لأول مرة واحنا لسه في ثانوي، هي لسه راجعة من الخليج، عشان تكمل دراستها هنا.. وأنا حبيتها.. وهفضل أحبها.. وهنتجوز ونعجز سوا.
في القصة دي.. هنتقابل وتحصل بينا خناقة بعدها هحبها، وأفضل معاها.. وتنتهي القصة بنهاية سعيدة..
وغيرهم وغيرهم، تفاصيل كتير مختلفة، بس الثابت إني بحبها، وإني هفضل معاها. .
مكنتش بكتب أي قصص عن ناس تانية.. لإني مكنتش فاكر أي حد تاني..
كنت مقتنع إن فيه سبب عشان هي الوحيدة اللي أفتكرها.. واكيد السبب ده، إنها كانت أقرب حد ليا..
بعد وقت كانت القصص بتتغير، بتكون سوداوية أكتر..
بدأت أربط القصص اللي بكتبها من خيالي، بالواقع اللي حصلي..
قصة فيها بقابل بنت جميلة، وقررت إني أسميها كان أكتر اسم لايق عليها "نور"
بحبها، وبفضل معاها، وبعدها الحياة بتفرقنا.. الحياة بتنسيني مكانها، وبكمل حياتي كلها وأنا بدوّر عليها.. وبدوّر عليا..
وهي .. كانت دايما بتستنى اليوم اللي أرجعلها فيه.. واقفة مكانها ومستنية!

دكتوري النفسي كان بيقرأ القصص دي.. قالي ان ممكن يكون فيها شئ من الصحة.. خيط صغير يوصلني لأي حاجة كانت في حياتي القديمة..
ومن هنا جاتلنا فكرة نشر القصص دي.. ونشر صورتي، يمكن حد يقدر يوصل ليا، ويقدر يساعدني أسترجع ذاكرتي من جديد..
الناس حبتها، وحبت نور. بس كمجرد حكاية، ومكنتش بصراحة متوقع إن كل ده يكون بفايدة.. لإني مكنتش متأكد من صحة اللي بكتبه..
بعدها كتبت رواية، برده عنها.. وأظن إن دي سبب استضافة حضرتك ليا النهاردة..
- ياااه يا عبد الرحمن، مكنتش متخيلة إن كل الألم، والحب اللي قريناه في روايتك يكون وراه القصة دي. .
أظن إن دي فرصة كويسة بالنسبة ليك عشان تقدر توصل لنور. . أو أيا كان هي اسمها ايه فعلا رسالة..

• أنا حابب أقولها، لو هي موجودة، لو فيه أي حد تاني يعرفني. أو شافني قبل 3 سنين.. أنا محتاج مساعدتك.. محتاج أرجع. .محتاج أتخلص من الاحساس اللي ملازمني بالذنب.. وبإن فيه حاجة لازم أعملها.. وفيه شخص لازم أقابله، ومكان أروحله.. محتاج أرتاح وأعرف عن حياتي اللي قبل دلوقتي.
- احنا كنا سعداء باستضافتك يا عبد الرحمن، وان شاء الله، يكون فيه حد من اللي شايفين الحلقة النهاردة يقدر يتعرف عليك، ويتواصل معاك..

***
في مكتب بفيلا كبيرة، يجلس رجل في أواخر الخمسين، يغلق التلفاز، ويشعل سيجارا وفي الوقت نفسه يحاول فك ربطة عنقه، لأنه يشعر باختناق..

يدخل عليه المكتب أحد رجاله ثم يقول: "تحت أمرك يا سليم باشا"
- أيمن مختار
" أيمن مختار! .. الله يرحمه ويحسن إليه .. إيه اللي فكر حضرتك بيه!؟"

- أيمن مختار طلع عايش.
• عايش إزاي بس يا باشا.. إحنا لما شوفناه كان قاطع النفس!
- عشان أغبية .. أغبية.
• هو حضرتك بتتكلم بجد!
- يعني جايبك أهزر معاك!
• العفو يا باشا.. أنا بس مش مستوعب.. إيش حال مكنتش أنا اللي فاكك فرامل عربيته بإيدي!
- إياك تقول كده مرة تانية ولو حتى في خيالك.. إحنا .. إحنا هنروح كلنا في داهية لو رجع ظهر تاني في حياتنا.
• إهدى بس يا سليم باشا، وكل حاجة هتبقى تمام.. وفهمني الموضوع!
- ندى فين؟
• في أوضتها يا باشا وسناء معاها..
- سيبني.. اطلع دلوقتي..

****
هاتف عبد الرحمن .. (رقم غريب)

- ألو
• ............
- ألو !
...

هو !! هو نفس الصوت!!

*أغلقت سناء الهاتف بسرعة عندما وجدت باب الغرفة يُفتح فجأة*

- ايه يا سناء بتعملي ايه؟
• كنت بنيّم ندى.
- طيب .. أنا ماشي، ابقي روحي شوفي سليم باشا لو عاوز حاجة.
• حاضر.
معقوله يكون عايش!! .. عيني عليكي يا ندى يا بنتي.. حظك قليل .. لا أم .. ولا .. ولا أبوكي فاكر حتى هو مين..

- ادخلي يا سناء.
• حضرتك طلبتني يا سليم باشا؟
- أيوة.. ندى نامت؟
• أيوة..
- اقعدي يا سناء.. انتي بقالك هنا كام سنة؟
• من يوم ولادة الست ندى الله يرحمها، أنا اللي مربياها على إيدي
- ورغم غلطتك، أنا خليتك بس عشان ندى كانت وصيتها انك انتي اللي تربي بنتها.
• هو أنا قصرت في حاجة يا سليم باشا؟
- أنا مش هسمح بتقصير ولا غلطة تانية.. وافتكري إن لولا ندى بنتي أنا كان زماني حاسبتك على اللي عملتيه
• وانا عملت ايه بس يا باشا. ست ندى كانت بتحب أستاذ أيمن و هي اللي ..
- إياكي!! إياكي أسمعك بتقولي الاسم ده مرة تانية.. أنا خسرت بنتي الوحيدة.. ومش مستعد أخسر ندى الصغيرة، مش هسمح لحد يبعد عني حفيدتي..
• وحق ربنا يا باشا؟
- الحق هو ان بنت بنتي تفضل عايشة معايا.
• وأبوها؟
- أبوها مات.
• مات يا باشا؟
- وحتى لو صاحي.. بالنسبالي، وبالنسبالك وبالنسبة لندى مات. . مفهوم يا سناء!؟
• تحت أمرك.. عن اذنك يا باشا.

***

هاتف عبد الرحمن (أيمن)

- ألو؟
• أيمن بيه.. أنا.. أنا سناء
- أنا آسف النمرة غلط، أنا عبد الرحمن سالم.
• إنت أيمن .. أيمن مختار..
- أنا آسف بس مش فاهم، حضرتك تعرفيني؟؟
• أعرفك! ده انت زي ابني..
- .. يعني تعرفيني .. من زمان؟ قبل 3 سنين؟
• أعرفك من يوم ما قابلت ست ندى
- نـ .. ندى!؟
• أنا لازم أقفل دلوقتي.. ممكن تديني عنوانك؟
- أيوة، أيوة، يا ريت ياريت تيجي ونتقابل..

فضلت مش مصدق نفسي من الفرحة بسبب المكالمة الغريبة دي!
مقدرتش ما أبطلش ضحك! ندى .. ندى هي نور! . . طب سناء دي تبقى مين! أسئلة كتير بدأت تدور في راسي، وعلى عكس ما كنت متوقع إن اسمي أول ما أعرفه هفتكر.. أول ما أعرف اسمها هفتكر.. بس محصلش.
ساعتها فكرت لو دي واحدة عاوزة تستغلني، شافتني في البرنامج وهتشتغلني!
بس الأمل اللي كان جوايا أكبر من الاحباط.. مكنتش عارف هتيجي امتى! محددتش ميعاد!
بس كنت مستنيها.. كنت مستنيها تحكيلي عن حياتي، وعن نفسي وعن ندى ..
فضلت مستني طول اليوم لحد ما يأست... ونمت
وساعتها شفتها في الحلم، كنت بنده عليها وبقولها ندى، واقف جوه بيت، وهي جاية ماشية من بره وبتجري ناحيتي..
بعدها بلبسها خاتم .. !! وبتقولي أخيرا اتجوزنا يا أيمن!

وبعدها بنضرب رصاصة من ضهري.. وبقع.. وندى واقفة مكانها مش بتتحرك. .
لحد ما بتختفي..

صحيت من النوم على صوت الجرس.. الساعة كانت 10 الصبح..

****
في غرفة سليم.. تدخل سناء لتخبره بأمر سفرها..

- أنا هسافر النهاردة يا سليم بيه، ابني ومراته جايين يشوفوني، بستأذن حضرتك أسافرلهم وآجي بكرة أخر النهار
• اممم .. وندى مين اللي هيفضل معاها!
- هنية يا باشا .. هتبقى موجودة
• ماشي يا سناء.. أبعت معاكي مرتضى
- لا لا لا .. مش .. مالوش لزوم يا سليم باشا.. وكمان ما يصحش عشان ابني وكده..
• طيب .. فطري ندى الأول وامشي.
- ربنا يكرمك يا سليم باشا.. وانا مش هتأخر عليها.

- هاتف سليم-

- ألو

• صباح الخير يا سليم باشا
- سناء شافت أيمن
• المرحوم!
- ما تفوق يا مرتضى على الصبح.. إنت لسه نايم!
• آسف والله يا باشا.. طيب وايه العمل.
- لازم تمشي وراها وتعرف هي رايحة فين وهتقابل مين
• حاضر يا باشا، تحت أمرك
- ويا ريت ما تبوظش الدنيا زي عوايدك
• وحياة ندى هانم يا باشا هخلصك من الموضوع ده.

***

شقة عبد الرحمن

بفتح الباب لقيت سلامة كالعادة جايبلي فطار.. ويشوفني لو عاوز حاجة
- صباح الفل يا أستاذ عبرحمن
• اسمها عبد الرحمن يا سلامة..
- يا أستذة علامنا على أدنا بقا مش زي حضرتك كاتب المنطقة
• ماشي يا سلامة، إدخل اعملي شاي
- من عنيا .. أحلى كوباية شاي لمثقف المنطقة

رن الجرس مرة تانية،
- خليك يا أستاذ عبرحمن أنا هفتحه
• ممكن أقابل أستاذ أيمن؟
- أستاذ أيمن مين يا حاجة دي شقة الكاتب الأستاذ عبرحمن سالم
• أيوة هو.. موجود؟
- يا أستاذ عبرحمااااان .. فيه ست كوبارة بتقول عاوزة أيمن وعبرحمان اللي هو حضرتك!
• أيوة يا سلامة دخلها بسرعة. ..
- اتفضلي يا ست الكل.. هعمل حسابك في الشاي..

كنت حاسس اني اعرفها.. بس مكنتش فاكرها.. عيطت أول ما شافتني.. وفضلت تحسس على وشي، وتعيط.. وتقولي وحشتني! .. إنت عايش ..
حاولت أهديها وقعدنا، وبدأت أسألها عن نفسي..

- إنتي قلتي انك تعرفيني..
• من 6 سنين
- إزاي؟ قولي كل حاجة، كل تفصيلة.. كل شخص.. أرجوكي، أنا مش فاكر أي حاجة.. فلو فعلا كنتي تعرفيني.. أرجوكي احكيلي كل حاجة!
• من 6 سنين ست ندى، جات تحكيلي عن واحد قابلته اسمه أيمن مختار.. قابلته في شركة أبوها كان شغال هناك، واتكلموا سوا، من غير ما يعرف هي مين وبنت مين... بقت تروح الشركة كل شوية عشان تشوفك.. وكانت ترجع تحكيلي اللي حصل بينكم وإزاي إنت بتكلمها وبتعاملها، وإنت مفكر إنها موظفة عادية.. وإزاي كانت بتعمل المستحيل عشان متعرفش..
بس مرتضى التعبان راح قال لسليم باشا أبو ندى.. اللي مكانش يعرف يرحم حد، خرج وفرج عليك الشركة.. وهزأك.. وطردك.. وقال انه عمل كده عشان غلط في شغلك..
ساعتها ندى كانت مكتئبة في البيت.. عشان انت لما عرفت بعدت عنها، ومبقتش ترد على تليفوناتها..
وسليم باشا كان بيحاول يجوزها لواحد راجل اعمال من اصحابه..
ساعتها هربت من البيت..
وسليم باشا طب من الصدمة وجاتله سكته قلبية
كنت انت صالحت الست ندى، كنتوا بتحبوا بعض.. كان روحكم في بعض..
ولما الست ندى عرفت اللي حصل لسليم باشا جرت راحتله.. وحنت عليه ورجعت البيت..
بس رجعت بشروطها، متتجوزش غير اللي تختاره.. وساعتها سليم بيه وافق.. وافق على أي حد غيرك إنت..

قلب الست ندى اتكسر، لحد ما قالتلي انها عاوزاني اطلع معاها.. خرجنا وكانت هتقابلك..
وعرفتنا على بعض.. كانت أول مرة أشوفك فيها..
وكنت أول مرة تشوفني..
قعدنا والست ندى بدأت تقولك خطتها.. انكم تتجوزوا من ورا أبوها..
قمت انت ورفضت، قلتلها لا يمكن تتجوزها من ورا سليم باشا، ومن غير موافقته..
ساعتها الست ندى مشيت وخاطرها مكسور..
وفضلت بالشهور جوه أوضتها مكتئبة يا حبة عيني لا بتاكل ولا بتشرب زي الناس..
واخرتها حاولت تموت نفسها ..
دخلت المستشفى.. وكنت معاها.. ليل نهار.. وهناك انت قابلتني، وطلبت مني أساعدك تشوفها من ورا سليم باشا..
وساعدتك، ودخلت كلمتها.. وقلتلها انكم هتتجوزوا اول ما تخرج من المستشفى..

بس وانت خارج مرتضى شافك..
وسليم باشا طردني عشان ساعدتك.. وحطوك في دماغهم ..

بس مفيش حاجة وقفتكم ، ولا كانت هتمنع الست ندى. .وسليم باشا مكانش قادر يضغط عليها..

اتجوزتوا بعد ما خرجت من المستشفى..
وبقت ست ندى بتزورك كل شوية.. وكنت بخدمكم بعد ما سليم باشا طردني
لحد ما مرتضى عرف عن موضوع جوازكم،

- كملي .. كملي يا ست سناء.
• يومها هجموا رجالته على الشقة اللي كنا فيها، وأخدوا الست ندى بالعافية.. وضربوك وعدموك العافية..
فضلت في المستشفى شهرين، بتتعالج ومش بتتحرك.. مكانش فيه حد بيزورك غيري..
لا أنا ولا انت كنا نعرف اخبار الست ندى

لحد ما انت رحت لمحامي عشان ترفع قضية وتطلب مراتك في بيت الطاعة
ووعرفوا اللي انت ناوي تعمله ..

و ...

- ايه اللي حصل بعد كده!!؟
رن الجرس تاني .. وساعتها سلامة فتح الباب
الست سناء خافت، وقالتلي ده مرتضى..
لسه هخرج ، لقيتها بتترجاني استخبى.. دخلت جوه وطلعت هي..

- ايه يا مرتضى خير عاوز ايه!!
• خير انتي يا غالية.. ايه اللي جابك هنا
- ابن اختي وجاية اشوفه..
• ده ابن اختك!

وساعتها دخل... وشفت وشه.. وافتكرته.. افتكرت أخر وش شفته قبل الحادثة..
افتكرت وانا جوه العربية وهو بيبصلي، وبيضحك، وأنا بستنجد بيه عشان ينقذني..

مش فاكر ايه اللي حصل بعد كده ولا قال ايه قبل ما يخرج..
كل اللي عارفه اني افتكرته.. افتكرت حاجة من الماضي لأول مرة بعد 3 سنين.. وكان لازم أتبت في اللحظة دي.. وفي الذكرى دي..

رد سلامة عليه بسرعة بديهة، وقاله
- خير يا أستاذ انت بتكلم خالتي كده ليه!
ساعتها بص لسلامة بحيرة، وجه ماشي..
وعرفت ان السر اللي وراهم كبير، ومحاولتهم انهم يخفوه كانت بتأكدلي ده..

قعدت مع الست سناء مرة تانية..
بس كنت متأكد إني بعد ما أعرف مش هرتاح.. وإن اللي جاي هيبقى صعب أواجهه من غير ما أكون فاكر وعارف أنا بواجه مين وليه!
- بعد ما خرجت من المستشفى، وبعد ما رحت أنا بيتي، عدت شهور معرفش فيها أي حاجة عنك أو عن الست ندى..
لحد ما مرتضى ظهر قدامي مرة، وقالي إن الست ندى محتاجاني..
رحت معاه، رغم اني كنت حاسة اني مقبوض عليا، أو رايحة غصب عني.. بس كانت الست ندى وحشتني..
ولما رحت وشفتها، مقدرتش أحوش عيني، عيطت

• اهدي يا ست سناء.. أرجوكي كملي..
- لقيتها يا حبة عيني تعبانة، كانت حامل، وزي ما الحمل عمل في أمها الله يرحمها، عمل فيها.. عودها نشف.. ووشها دبل.. ومكانتش بتقدر تتحرك..
بعد ما انت دخلت المستشفى، الست ندى عرفت انها حامل.. وساعتها سليم باشا ضغط عليها عشان تنزل اللي في بطنها.. بس ربك لما يريد، الدكاترة قالوا ان الاجهاض هيبقى فيه خطورة على حياتها..
ولما اختارت ترجعلك ساعتها سليم باشا وقفلها، وحلف انه يمحيك من على وش الدنيا لو رجعت تشوفك او تكلمك..

• وبعدين يا سناء، ندى فين.. ايه اللي حصل.. كملي.
- سمعت مرتضى بيكلم سليم باشا، وبيقوله انك كنت بتختلس لما كنت موظف في الشركة، كان بيحفرلك ويسود قلب الراجل من ناحيتك..
ساعتها قلت للست ندى.. اللي ما استحملتش.. تعبت ونقلوها المستشفى، اترجتني أكلمك من وراهم، كانت عاوزة تشوفك قبل ما ....
• لأ ... لا لا لا.. !!!! .. مستحيل تكون .. لأ!! .. ليه كده! ليه!!!
- قضاء ربنا يا ابني.. الله يرحمها ويحسن إليها.. كان نفسها تشوفك، كانت شايلة بنتك في بطنها ومتمسكة بيها عشان حتة منك..
كلمتك .. وقلتلك .. وكنت هتتجنن .. قلتلي إنك هتيجي ..
قلتلي انك مش هتتأخر عليها..
وأنا قلتلها إنك جاي..
..
استنت.. لكن السر الإلهي كان أسرع من خطاوي البشر
.. ولدت بنتك، و ماتت ..

وصتني اني أنا اللي أربيها.. وقالت اسمك قبل ما تموت.. باست بنتها وكانت نفسها تسميها نور زي ما كنتوا متفقين..

سليم باشا دخل المستشفى بعد موت الست ندى الله يرحمها.. وسمى حفيدته على اسمها..
فضل شهور ما بيشوفهاش ولا يلمسها ولا يبص في وشها..
لحد ما ربنا حنن قلبه عليها..
وبقى روحه فيها..

وفضلت أستناك تيجي تشيل بنتك... بس مجتش .. وجاني خبرك ..
فضلت 3 سنين بقول إنك رحتلها مطرح ما راحت..
وسيبتوا بنتكم لوحدها..

لحد ما شفتك في التلفزيون ..
وسليم باشا حذرني أجيب سيرتك، ولا أرجع أقلب في اللي فات.

****

فضلت سناء تحكي، لحد ما خلصت كل الحكاية..
كل اللي عرفته إن فيه شخصين دمروا حياتي.. محوني من على وش الدنيا وسلبوني كل ما أملك!
مراتي، وبنتي، واسمي، وحياتي، حتى حرموني اني أفتكرهم..

خرجت وأنا بفكر في كل كلمة.. لحد ما كنت هتجنن..
قصصي كانت كلها بسيطة، وسعيدة.. بس حياتي مكانتش قصة منهم..
بفتكر شكل الشيطان اللي ضحكلي ساعة ما كنت بدوق الموت..
اللي فضل ينخرب لحد ما دمرلي حياتي!

كنت غضبان، وبغلي من جوايا.. وده مكانش تأثير حدوتة سمعتها عن الماضي اللي مش فاكره..
عقلي مكانش فاكر.. بس قلبي رجع حس بكل اللي كان حاسس بيه ساعتها..
كل كلمة كانت بتفكرني بإحساسي ناحية ندى، واحساسي بخوفي عليها وخوفي من خسارتها..

عدت أيام كل يوم كنت براقبهم فيها، كنت بكلم سناء وأعرف منها كل اللي بيحصل، وأطمن على ندى بنتي..

بدأت أفتكر أخر لحظات قبل الحادثة.. لما كنت سايق العربية بجنون، عشان ألحقها.. عشان أشوفها لمرة أخيرة، وأوفي بوعدي ليها وأروحلها..
افتكرتها وهي مبسوطة معايا، لما اتجوزنا، وكانت بتودع سناء وتوصلها للتاكسي..
وبعدها دخلت البيت وفاجئتها بخاتم جوازنا..

افتكرت أول مرة اتقابلنا فيها..
كل الذكريات كانت بترجعلي بطريقة توجع..
كانت بترجع زي الروح ما بترجع لجسم ميت..
عقلي كان هينفجر....

من أيام كنت مرتاح.. كل اللي كنت فاكره إني كنت عايش قصة حب.....
بس دي مكانتش قصة عن الحب.. حياتي كانت قصة عن الكره، والظلم... عن النسيان والضياع..
محدش هيفهم يعني ايه لما أفتكر حياتي ألاقيني خسرت كل حاجة فيها..
ألاقيني مُهدد ... ووحيد..

الأمل الوحيد اللي كان فاضلي كان بنتي ..
وكنت مستعد أعلن الحرب عشان أسترجعها..
عرفت إن سليم هيبقى لوحده، كانت فرصة أحاول معاه بهدوء يرجعلي اللي خده مني..
كلمته ...

- مين معايا ؟
• أيمن مختار
- ممم.. معرفش حد بالاسم ده!
• يمكن لما تشوفني تفتكر طيب!!
ساعتها دخلت عليه .. كان مصدوم وخايف.. كان بيبص لوشي وفيه ألف تعبير على وشه.. أوضحهم كان الخوف، والغضب..

- ليه!! ليه عملت كل ده فيا رغم اني ما عملتش حاجة غير اني حبيت بنتك!!!!
• انت قتلتها ..
- انت اللي قتلتها.. انت اللي اضطرتني واضطريتها نعمل كده، ده انت مش بس قتلتها بأنانيتك وتحكمك..
إنت كمان قتلتني.. ورغم انك معرفتش تنجح في ده .. إلا إنك محيتني ومحيت اسمي من على وش الدنيا!!
بدأ يمسك قلبه، ووشه إزرق.. مكانش قادر يتنفس.. ولا يتكلم..
شفته وهو بيقع قدامي، ومقدرتش أتعاطف معاه،
لحد ما باب المكتب اتفتح..

دخل مرتضى وقبل ما يفهم اللي بيحصل، خرج مسدسه، وعمل اللي فشل يعمله قبل كده..
التاريخ كان بيتكرر ..
كان واقف قدامي مرة تانية، بيضحك.. نفس النظرة الشيطانية اللي كانت على وشه..

ويبدو إني أخيرا هوفي بوعدي لندى.. أخيرا هروحلها...
***

شفت ندى ... جميلة، وبتضحك لأول مرة.. كنت بمدلها إيدي.. لكنها كانت بتهز راسها.. وبتبعد..
قلتلها إني عاوز أبقى معاها.. وإني أخيرا حاسس إني لقيت نفسي.. لما لقيتها وافتكرت..
ضحكتلي، وشاورتلي بعيد..
كان فيه نور.. نور قوي.. لكنه كان مُريح.. بصيت مرة تانية ملقتهاش..
مشيت في اتجاه النور.. .

فتحت عيني..
كنت في نفس المكان.. اللي صحيت فيه من 3 سنين
في غرفة العناية المركزة..
مش قادر أتحرك.. كل اللي شايفه هو السقف..
فاكر اسمي.. عارف أنا مين..
***

بعد أيام قدرت أخرج.. البوليس أخد أقوالي..
سليم مات بسكتة قلبية..
مرتضى اتقبض عليه.. وسناء شهدت بالحقيقة كاملة..
وكانت مستنية ميعاد أول زيارة..
ولأول مرة قدرت أشوفها.. بنتي.. النور اللي رجعني للحياة.

-تمت-



*أسماء عبد الناصر*

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جزء مفقود في الترجمة

Black Mirror - New written episode.

مبقاش سر