حساب قديم







طباخ السم بيدوقه.. بس أنا دقت من غير ما أكون قاصد.. دقت فلوس حرام اترمت في سكتي.. ودوقت منها كل اللي أعرفهم..
هتقولوا القدر؟ ..
يمكن.. بس في الحالة دي، فأنا قدري كان سئ.

يوم 7 نوفمبر، اتهموني بالاختلاس في الشغل، رغم إني عمري ما كنت أقبل أدخل بيتي قرش حرام..
التحقيق في الشركة كان شغال بقاله أكتر من 3 أسابيع، كنت بحكي لمراتي أم إبني الوحيد كل حاجة!
ولما عرفت إنهم مالقوش حد يلفقوهاله غيري، سابت البيت، وخدت ابني وراحت عند بيت أهلها.
ماليش غيرهم.. أخدت العربية ورحت فضلت تحت بيت أهلها، لحد الساعة 3 الفجر..  مرضيتش تسمعني.
مش عارف سابتني عشان أنا متهم بالإختلاس، ولا عشان بقيت خالي شغل!
الشركة اكتفت برفدي، وكان عليا دين لازم أدفعه يا إما هتسجن!
دين أنا ما اداينتوش! ولا أخدته!
كنت مسحول من غير ذنب في كل ده.. بس اللي حصل بعد كده، كان ذنبي.. كنت مسئول عن كل حاجة فيه.
أنا بعترف إني السبب في كل اللي هيحصل.

وأنا راجع البيت، فكرت إن الحل الوحيد عشان أقدر أسدد ديوني هو إني أبيع البيت ده.. الحاجة الوحيدة اللي أملكها.
بس مكانش قدامي خيارات تانية يا هتسجن وسمعتي تتدمر أكتر ما هي، يا أدفع، وأبدأ من جديد..
كنت سايق، والطريق كان فاضي تماما.. حسيت إني أنا الوحيد اللي باقي على وش الأرض..
أنا الوحيد المظلوم.. أنا الوحيد اللي حزين، ومكسور، ولوحده.

فجأة ظهر قدامي على مد البصر عربيتين، مكنتش شايف ومفسر اللي بيحصل.. كانوا واقفين.
بس كنت حاسس إن فيه حاجة غلط، الساعة 4 الفجر، في طريق زي ده.. مش شئ عادي!
هديت السرعة وافتكرت أرجع وأغير طريقي.. أنا مش ناقص يحصل حاجة تانية تبوظ اليوم ده أكتر من كده..
وأنا برجع بضهري لورا، حد فيهم شافني..
دمي نشف! .. حاولت أزود السرعة وأنا راجع بضهري، قبل ما أغير طريقي.. بس حصل حاجة غريبة!
اللي شافوني كانوا بيهربوا!
كانوا خايفين زيي تمام!
بطأت السرعة، وتقريبا وقفت العربية مرة تانية. والتانيين بدأوا يلاحظوا وجودي،
كنت فاكر إن الموضوع هيخلص على كده، وإنهم هيمشوا في طريقهم، وأنا هكمل طريقي..
بس سمعت ضرب نار، والعربية الأولى لسه ماشية، بتهرب! ..
قتلوا اللي كانوا معاهم في العربية التانية اللي كانت لسه واقفة!!
حسيت إن الرصاص دخل في جسمي أنا..
عمري ما كنت متخيل إن صوت الرصاص هيرعبني بالطريقة دي..
وافتكرت إن الرصاصة اللي هتقتلني مش هسمعها..
فضلت دقيقتين، مش عارف أتحرك.. ولا أتصرف.. حاولت أدور على موبايلي ومالقتهوش!!
العربية الأولى كانت غابت عن نظري، هربوا بأقصى سرعة..
ساعتها أخدت أغبى قرار أخدته في حياتي.. قررت أقرب!!
مش فاهم كنت بفكر في إيه!!
قربت بالعربية، وسبت الباب مفتوح،
كان فيه تلاتة مقتولين ودمهم سايح على الأرض..
العربية كانت أبوابها مفتوحة..
كان فيه موبايل واقع على الأرض، وساعتها فكرت أطلب الاسعاف! .. رغم إنهم كانوا ماتوا..
طلبت الاسعاف، ورد عليا واحد! مكنتش عارف أقوله ايه!
مش فاكر قلتله ايه.. وقفلت بسرعة.. فضلت مثبت نظري على منظر واحد فيهم وهو مقتول، كان شكله مرعب!
عينيه كانت كلها خوف.. كان مرعوب!!
وكان فيه تحته شنطة..
سمعت سارينة البوليس!
ساعتها ارتبكت ورميت الموبايل وأخدت الشنطة وجريت على عربيتي..
رجعت من السكة اللي كنت جاي منها..
أكيد البوليس كان عارف قبل ما أتصل بالاسعاف!
أكيد كانوا بيحسبوني بوليس.. عشان كده هربوا..

فضلت دايس على الدواسة، وإيدي بترتعش من منظر الراجل المقتول..
إيدي كان عليها نقطة دم معرفش جات منين..
ساعتها خفت وفرملت..
بس كنت بعدت قبل ما حد يقدر يشوفني.
روحت البيت، بتاكسي، والعربية سبتها في الشارع اللي فيه بيت أبو مراتي مركونة ومتغطية..
روحت، وأخدت دش، وأنا منظر الراجل المقتول مش بيفارقني..
كان ده أسوأ يوم ممكن حد يعيشه..
يوم خسرت فيه شغلي، وسمعتي، ومراتي، وابني.. وكنت شاهد على جريمة قتل.. وبمنتهى الغباء.. ورطت نفسي فيها..
ليه أخدت الشنطة!
ليه جبتها معايا..
ليه اتصلت من تليفون واحد منهم بالاسعاف!
دلوقتي مش بس أنا متهم في قضية اختلاس، أنا كمان هبقى متهم في قضية قتل!
هديت وقعدت قصاد الشنطة..
فكرت 100 مرة قبل ما أعمل فيها أي حاجة!
كنت متردد.. ومش عارف ايه اللي ممكن يكون جواها ويتسبب في قتل 3
كسرت الاقفال، وفتحتها.. كان فيها فلوس.. فلوس كتير.. أكتر من أي فلوس شفتها في حياتي..
وفجأة أسوأ يوم في حياتي.. جاب وياه أسعد يوم في حياتي..
كنت مبسوط زي المجنون.. وفضلت رايح جاي.. بفكر هعمل إيه!
أو بالأصح الفلوس دي ممكن تعملي إيه..
كل مشاكلي هتتحل!
هدفع الفلوس قبل ما أتحبس..
هشتغل.. لا هيبقى عندي شغلي الخاص..
هأمن مستقبل ابني..
.. مستحيل أضيع فرصة زي دي، مستحيل!
مش أنا مختلس؟ .. مش ظلموني، وشوهوا سمعتي!؟ .. مراتي سابتني، وزمايلي اتنكروا ليا؟
ماشي..
ده بقى تعويض ليا عن اللي خسرته..
ده حقي.
حقي وبس.

***
كان احساس قوي، وسحري، إنك تتحول من مظلوم ومغلوب على أمرك.. لواحد في إيده مصباح علاء الدين.
واحد مستعد يبقى ظالم، مستعد ينتقم، مستعد يرجع حقه، اللي مكانش شايفه أصلا، لما كان لا حول ليه ولا قوة.

كنت محتاج أنام. وحتى بعد يوم عصيب وصعب زي اللي مريت بيه ده. كنت هغرق في النوم وأنام وأنا مرتاح.
عشان هنام، وأنا عارف إني هصحى وأنا عندي اللي يرجعلي حقي. هنام وأصحى أرجع كل اللي أخدوه مني.

صحيت بعدها بيوم، نمت زي القتيل..
ما أنكرش إن كان فيه جزء مني لسه خايف يتورط..
بس أنا معملتش حاجة، أنا مقتلتش حد.
لبست أشيك بدلة عندي، ونزلت أخدت تاكسي.. وساعتها فكرت إني لازم أشتري عربية جديدة..
رحت الشغل.. زمايلي كانوا مستغربين من شكلي، وحالتي!
واحد مرفود ومتهم، وفي مصيبة من أول امبارح، دلوقتي داخل متشيك ، ومبتسم، ولا كإنه ورث مال قارون.
بس دي كانت الحقيقة.

دخلت مكتب المدير، وكنت مبسوط من تعابير وشه اللي كلها حيرة واستغراب، ونفسه يسألني..
حطيت الفلوس قدامه.
وطلبت منه كل الورق، اللي يديني بالظلم.. كل التحقيقات اللي اتعملت.
وحتى الورق اللي يخصني عندهم.
وساعتها طبعا رفض، وقالي انه مسئول قدام البورد عن كل ده وما ينفعش، بس أنا كنت عامل حسابي..
وهو كان رخيص، وشوية فلوس هيزغللوا عينه.
أخدت اللي أنا عاوزه..
وقبل ما أمشي.. قلتله إنت ظلمتني، وخربت بيت.. بس أنا مش زعلان منك.. عارف ليه؟
عشان قريب أوي.. قريب كل واحد هياخد جزاءه.
***

مكانش ينفع أخلي حد يشك فيا ويبدأ يسألني من أين لك هذا..
عشان كده كان لازم أدخل في أي شغل..
شغل يبقى هو الواجهة اللي هتخلي فيه سبب للفلوس الكتير اللي ظهرت في حياتي.
والموضوع كان هياخد وقت..
وأنا كان عندي الصبر الكافي عشان أقدر أرجع كل حاجة..
شاركت صديق قديم ودخلت بنسبة كبيرة في شركته، كان ناجح وبيعرف إزاي يشتغل، بس كان ناقصه فلوس.
وأنا مكانش معايا أد الفلوس..
بعد فترة مش بسيطة، قدرت أوصل لـ اللي أنا عاوزه..
اشتريت عربية جديدة، اشتريت بيت جديد.. وفلوسي في الشركة كانت بتكبر..
كانت الحياة بتعوضني بكل ما أوتيت من قوة.
لحد ما في يوم رن جرس البيت، فتحت وكان محضر واقف قدامي..
ساعتها حسيت بالخوف، كان بيتكلم ومش سامع..
كل اللي كنت بفكر فيه، هو إني هخسر كل اللي عملته ده..
لحد ما طلب امضتي.. وساعتها بعد ما هديت، وفقت.. عرفت إنه جه عشان مراتي رافعة عليا قضية طلاق.
كنت متعمد كل الفترة دي، ما أظهرش قدامها، بس كنت بطمن على ابني من بعيد..
كنت عاوز أفهم إزاي حد بتحبه وبيحبك يتخلى عن كل ده في يوم واحد.. ويشك فيك..
كنت عاوز أعرف هي سابتني عشان جريمة ارتكبتها، وساعتها هيكون السبب الأهون عليا..
ولا هي سابتني عشان مبقاش حيلتي حاجة أديهالها!
تاني يوم عملت نفس اللي عملته أول مرة في الشركة.. صدمتها..
رحت معايا هدايا كتير ليها ولابني.. شكلي متغير، للأحسن.. عربيتي متغيرة.. بقيت صاحب شركة بتكبر كل يوم عن اللي قبله.
كل ده حصل في وقت ما كنت لوحدي، واختارت تسيبني..
زي ما كنت متوقع، الفلوس زغللت عينيها.. شرحتلهم موضوع شراكتي مع محمود صاحبي.. واني بعت الشقة القديمة.. ودي اللي ساعدتني في الأول.. وساعتها ربنا فتح عليا.
اتنازلت عن القضية!
كنت شايفها وهي بتتكسر قدامي، زي صنم فضلت أعبده لحد ما اكتشفت زيفه وتفاهته.
كل اللي كان يهمني هو ابني.
رجع البيت، وهي كمان كانت معاه، بس حسابي ليها لسه هيبدأ..
بقت تعاملني أحسن من الأول بكتير، وبقت تهتم بنفسها أكتر..
مكانش فيه شئ بيريحني غير اني أشوف ابني وهو عايش عيشة أحسن.. بيتعلم في مكان أحسن.. وهيعرف ناس أحسن..
بس كان وصمة عار في حياته إني أبقى أنا أبوه، ودي تبقى أمه..
تحت الهدوم، وورا المظاهر.. كنا احنا الاتنين أوسخ من بعض.. أب حرامي، وأم مادية وكلبة فلوس..
مكناش نستاهله..
ويمكن عشان كده ربنا قرر ياخده مننا!
كان في النادي عنده تمرين سباحة، أمه كانت معاه، سابته وراحت لواحدة من اصحابها.. ولما رجعت رجعت متأخر.
كان غرق.. مات.
دفنته، وساعتها عرفت يعني ايه الواحد يبقى قلبه تحت الأرض، وباقي جسمه يفضل فوق.
 في اليوم ده.. أي ذرة تعاطف كانت جوايا، أو حب.. وراحت معاه.
موته وجعني.. وجعني بطريقة وحشية ما يستحملهاش بشر..
يمكن عشان كده المفروض الابن بيدفن أبوه.. بس الأب لو دفن ابنه، بيموت معاه.
فضلت أسبوع بدفن راسي تحت الماية، عشان أعرف كان احساسه ايه!
كان نفسي أموت.. بس كان فيه حاجة فيا لسه بتصارع في أخر لحظة.. وتلقط نفس.. وأفضل عايش.
ورغم رغبتي في الانتقام من أمه، وإني كنت مستني اللحظة اللي أردلها فيه اللي عملته معايا.
بس كان كفاية عليها خسارتها لابنها..
وخسارتها للفلوس، والبيت، والمظاهر الكدابة اللي عيشتها فيها لفترة قصيرة..
طلقتها، بعد ما خليتها تتنازل عن كل حقوقها.
هي اللي قتلت ابني بإهمالها.. ومكانش ينفع يفضل بيني وبينها أي حاجة تفضل تفكرني.
محمود كان مهتم بالشغل في الفترة دي، وساعتها عرض عليا، إننا  نتوسع.. وده كان الوقت المناسب اللي أرجع أهتم فيه بالشغل.. يمكن أقدر أنسى..
وحصلت الحاجة اللي كنت مستنيها تحصل من فترة طويلة،
الشركة اللي كنت شغال فيها، وخرجت منها مذلول.. كان فيه واحد من الشركا بيبيع الأسهم بتاعته..
رغم انهم كانوا مكتمين على الخبر، عشان محدش غريب يدخل بينهم.
محمود عارضني، لإن شركتنا وشركتهم متخصصين في مجالين مختلفين تماما..
بس دي كانت فرصتي، ومكانش ينفع أفوتها.
فضيت شراكتي مع محمود، وبعد ما كان بيفكر يتوسع، بقى بيدور مرة تانية على شريك يسنده.
حطيت كل فلوسي في الشركة اللي كنت بشتغل فيها، وقدرت أشتري 45 % من أسهمها.
كنت صاحب نصيب الأسد، وكان كل اللي حيلتي هي الشركة دي.
رجعت تاني، لنفس المكان  اللي خرجت منه، بس المرة دي كنت رئيس مجلس إدارة.
ذليت كل حد كان سبب في أذيتي.
وكل واحد أخد جزاءه زي ما توعدتلهم.
كل واحد في النهاية لازم ياخد اللي يستحقه.
وأنا كنت متأكد إني لسه هأتحاسب.. هأتحاسب على الليلة إياها.. وعلى الفلوس اللي أخدتها من غير وجه حق.
عدت شهور، وكانت الشركة بتخسر وعليها ديون.. كنت باخد قروض عشان أقدر أسدد الديون، ومكانش فيه فايدة..
مفيش واحد هيبيع نصيبه في شركة بتكسب، بس أنا الانتقام عماني..
وكنت لسه مكمل..
كل الشُركا هربوا بره البلد، وللمرة التانية مكانش فيه حد غيري يدفع تمن أخطاء ناس تانية.
اتسجنت.. واتحفظوا على بيتي، ورصيدي في البنك..
خسرت كل حاجة تاني.. كانت فلوس ملعونة، فلوس حرام.. كنت فاكر إنها هتعوضني، وإني خسرت كل حاجة، بس دلوقتي.. دلوقتي أنا فعلا خسرت كل حاجة. . ابني.. والفلوس والبيت.. وكل حاجة.
لحد ما حصلت حاجة غير متوقعة..
محمود قرر يساعدني!
قرر يدفعلي كفالة، وأخرج، واتوسطلي عند البنوك لحد ما أقدر اسدد اللي عليا..
قالي انه لازم يقف جنبي زي ما وقفت جنبه.
خرجت وكنت حاسس إن الحياة بتديني فرصة تانية..
فرصة هبدأ فيها من جديد، وعلى نضافة.. مش هوسخ ايدي بفلوس حرام..
بس اللي زيي نهاية قصتهم مش بتكون نهاية سعيدة..
اللي زيي بيتحاسبوا على حاجات عملوها وحاجات معملوهاش!
وأنا مكنتش اتحاسبت على الليلة دي..
دخولي السجن بسبب الديون كان المفتاح اللي حل قضية قديمة..
قضية فيها بصمات لشخص مجهول، على موبايل ضحية من الضحايا..
ووجود آثار عربية تالتة في مسرح الجريمة، عمرهم ما لقوها.. عربية مشيت في الاتجاه المعاكس وعلى اطارها أثار دم.
اتهموني بالقتل في البداية، بس قررت أعترف باللي عملته، واللي حصل..
حكيت اللي حصل كله، ولولا تقرير الطبيب الشرعي، وشهادة أهل مراتي.. كان زماني بتحاسب كمان على قتل ناس معرفهاش.. لولا إني غلطت واتصلت بالاسعاف.. مكنش حد صدقني..
أنا مش عاوز أتظلم مرة تانية..
مش عاوز أتحاسب على حاجة معملتهاش.. لإن الظلم اللي وقع عليا خلق مني انسان ظالم..
أنا أكلت ابني من فلوس حرام، وظلمت مراتي، وخربت بيوت ناس كتير وقطعت أرزقاهم..
فخد بنصيحتي، أرجوك.. فكر كتير قبل ما تظلم حد.. فكر كتير قبل ما ظلمك يعمل انسان زيي.



 (أسماء عبد الناصر) 

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جزء مفقود في الترجمة

Black Mirror - New written episode.

مبقاش سر