سكة Suffer

أبويا وأمي اتجوزوا عن حُب.. ده اللي هي حكتهولي..
معرفتوش غير من حكاياتها، وقبل ما تزعل عشان هو مش موجود، هو كان موجود..
كانوا قرايب، دايما يقولوله إتجوز بنت عمك، يقولهم مش حلوة.. أمي ما دخلتش الجامعة، ولا كملت تعليمها..
جدي، وجدتي كانوا عاوزين يجوزوها، وده كان أقصى آمالهم يطمنوا على بنتهم الوحيدة.. أبويا كان بيحب زميلته في الجامعة..
خلص كلية، وراح اتقدملها رغم رفض جدي.. بس أبوها رفضه عشان مستواه الإجتماعي مكانش زي مستواهم..
رجع أبويا بيت العيلة بعد ما اترفض، باس على راس جدي، وقاله أنا هعمل كل اللي تؤمرني بيه.. بس ترضى عني..
دي كانت أيام جدي الأخيرة.. قاله أنا راضي، ومطلبش منه أي حاجة..
أبويا بكامل إرادته، راح لعمه، وإتقدم عشان يخطب بنته..
مكانتش الفرحة سايعاها، كانت مبسوطة عشان الراجل اللي طول عمره بيقول عليها مش حلوة، ومش شايفها، دلوقتي جه بنفسه يطلب إيديها ويطلب رضاها..
أمي كانت طيبة، وكانت بتحبه، حتى من قبل ما يعرفوا يعني إيه حب!
بعد جوازهم بـ 3 شهور، أبويا قرر يسافر.. زي أي واحد بيسافر بره، عشان مش عارف يعيش جوه..
بعتوله تلغراف يقولوله إن أمي حامل.. بعتلهم وقالهم إنه مش هيقدر ينزل البلد غير بعد سنتين..
جيت الدنيا، أوراق العيلة وقعت، مبقاش فاضل غيري أنا وأمي في بيت جدي القديم..
أبويا مكانش بيبعت فلوس، ولا بيبعت خبر. .
بعد السنتين، جالنا منه تلغراف.. قال فيه إنه مش راجع دلوقتي.. بس مسيره يرجع..
عدى سنتين غيرهم، وأربعة، وخمسة..
أمي رمت طوبته.. قالتلي مش هيرجع.. أبوك مش هيرجع..
ولما كنت بعيط، وأقولها إني بكرهه.. كانت تعيط هي كمان، وتقولي ما تكرهوش..
تقعد تحكيلي عنه، حكاية تبين إنه راجل كويس..
رغم إن أمي ما تعرفوش زيي تمام..
بس دي الطريقة اللي قررنا إننا نعرفه بيها، بطل في حكاية.. بنحكيها كل ما يوحشنا.. كل ليلة بنقفل علينا الباب، واحنا خايفين.. كل ما أمي تخرج تشتغل طول اليوم عشان تعرف تعيشنا، وترجع بالليل تعيط بعيد عن عيني..
أبويا كان راجل طيب. .راجل طيب في حكاياتها بس..
كبرت، وأمي كبرت.. سبت التعليم عشان أشيل عنها.. اشتغلت في ورشة عربيات صبي معلم
أمي مبقتش تخرج للشغل..
الشغل مسابش فيها شوية صحة للعمر ده..
كانت بتقولي كل ما أرجع وأديها اليومية.. إنت الوردة اللي طرحت في أرض كلها صبار.. إنت العوض..
اتعلمت الشغلانة، وشربتها..
لحد ما قررت إني أحوّش القرش ع القرش عشان أفتح ورشتي.. وأغير البيت اللي هيقع فوق دماغنا. وأريح أمي بعد تعبها السنين دي عشاني..
بقيت بشتغل ليل نهار.. وأدعي ربنا يوسع رزقي عشانها، وعشان راحتها..
ما أكدبش عليكم.. كنت بفتكره كتير.. بسأل روحي ليه يعمل فينا كده..
ليه يرمينا للدنيا واحنا من غير ضهر ولا قريب..
وكنت أقول زي الناس محدش عارف حصله إيه.. يمكن كان عاوز يرجع.. بس قدر ربنا منعه..
يمكن مات..
كنت بتمنى إنه يكون مات..
عشان ساعتها بس، هبقى عارف إن غيابه كان غصب عنه.
وإن مش كارهني.. ولا كاره أمي.. وإنه ما سابناش.. ما سابناش لوحدنا وهج..
وساعة ما الفكرة دي تيجي في بالي، برتاح.. وأترحم عليه..
الموت أهون م الغياب..
روحت البيت في يوم متأخر.. لقيت أمي قاعدة على الكنبة، ما بتردش عليا..
يمكن نامت وهي مستنياني..
قربت منها كانت ايديها متلجة، مكانتش نايمة..!
شيلتها وجريت بيها على المستوصف..
مقهور.. وبعيط.. يا رب.. ما تاخدهاش مني..
دي أمي وأبويا..
يا رب دي كل الناس. .
ما تاخدهاش مني دلوقتي يارب..
مش هيبقالي حد..
يارب..
لأول مرة في حياتي، وأنا حاسس إني لوحدي..
حاسس بالقهرة، بالتعب.. حاسس إني عندي 100 سنة وعاجز..
قالولي إن المرض الوحش جالها..
بس لو عملت العملية فرصتها في الشفا هتكون أكبر..
جريت جبت كل الفلوس اللي كنت محوشها عشان الورشة.. بس مكانش كفاية..
جريت على الاسطا صاحب الورشة أترجاه يسلفني لحد ما ربنا يقدرني وأردهمله، بشغلي معاه..
طردني عشان عرف إني بدور على ورشة عشان أفتحها لحسابي..
قال عليا حرامي، وجاي عاوز فلوس عشان أضحك عليه وأفتح الورشة
فهمته إن أمي بتموت..
قالي ما كلنا هنموت..
..
بس أنا مكنتش عايزها تموت..
روحت البيت كانت راقدة على السرير.. وقفت على الباب، ومش عارف أنطق بكلمة ولا أقولها إني جيت..
صوتي مخنوق.. وقلة حيلتي مخلياني عاجز حتى إني أنطق من غير ما أعيط..
فضلت أدعي ربنا، من غير صوت..
قالولنا في المدرسة زمان إنه بيسمع حتى الكلام اللي مش بنقوله..
قلتله اشفيهالي..
ما تخليهاش تسيبني.. قلتله كلام كتير وأنا عارف إنه شايف قهرتي عليها..
ونمت..
تاني يوم رحنا المستشفى.. كان مشوار طويل على أمي.. وعليا.. أول مرة أبعد عن البلد..
قابلنا الدكتور اللي كلمني وقالي أقابله مع أمي هنا..
وقعدنا..
قالي إنها هتعمل العملية في خلال أسبوع.. وإن فيه فاعل خير هيتكفل بكل مصاريف العملية..
مكنتش مصدق نفسي!
ربنا استجاب لدعايا!!
فضلت أبوس راس أمي، وعينيا بتدمع..
سألت الدكتور مين اللي ربنا بعتهولنا من السما.. قالي إنها واحدة ست بتعمل خير.. ومش حابة حد يعرفها. .
وإن ده بيحصل كتير مع حالات محتاجة، بيلاقوا اللي يتكفل بيها..
فات الاسبوع وجه يوم العملية..
أمي كانت خايفة، فضلت ماسكة في إيدي، وقالتلي ربنا يرضى عليك.. أنا راضية عليك..
عدى الوقت كإنه سنة.. سنة بفتكر في كل ثانية فيها أبويا.. الغايب..
بكرهه.. بلعنه.. بلعن غيابه..
وبعيط..
وبعد وقت طويل خرج الدكتور وقالي إن العملية كانت ناجحة..
وإن أمي كويسة..
روحي اتردتلي..
م الفرحة حضنت الدكتور، وفضلت أعيط..
كان أد أبويا..
أبويا الغايب.
نقلوا أمي في أوضة لوحدها..
كانوا بيهتموا بيها، وأنا مكنتش بسيبها لحظة..
بقت أحسن من الأول وصحتها رجعتلها..
وفي يوم قبل ما نخرج من المستشفى.. قالولنا إن فيه زيارة لينا..!!
دخلت ست شكلها شيك.. ووراها راجل كبير.. بس باين عليهم إنهم أغنيا جدا
أمي وشها إتغير! .. مبقتش فاهم هي تعرفهم منين!
الدكتور دخل بعد كده، وسلم عليهم.. وبعدين بصلي وقالي.. إن دي الست اللي تكفلت بحالة والدتي.. وجوزها
قمت أسلم عليهم، وأشكرهم..
الراجل كان ماسك في إيدي بشكل غريب!
بيبصلي وبيبص لأمي.. وأمي مش بتنطق..
سبت إيده وبعدت عنه ولأول مرة أحس الاحساس ده..
لأول مرة أشوف أمي في الحالة دي..
الراجل ده يبقى أبويا.. !
خرجوا بعد ما الست فضلت تتكلم مع الدكتور شوية، وأنا كإني مشلول.. واقف في ركن الأوضة، وعاوز أعيط..
أمي بتبصله وهي ساكتة..
وهو ما نطقش بكلمة..
مشيوا بعدها بـ 5 دقايق. .
وأمي بدأت تعيط.. حطت إيديها على راسها وفضلت تعيط.. أه يا عمري ياللي ضعت أه..
حضنتها، وأنا لسه حاسس إني متخدر!
أبويا اللي مات في خيالي كل السنين اللي فاتت دي، دلوقتي ظهر
شكله أصغر مني! .. الدنيا معلمة فيا أكتر ما معلمة فيه!
أمي انهارت..
اضطروا يدوها حقنة مسكنة، وأجلنا الخروج لحد بالليل..
روحنا..
بصيت للبيت واحنا داخلين، ولأول مرة أشوفه قديم، ومبهدل..
أمي دخلت أوضتها.. ونامت..
وأنا رحت أغسل وشي..
بس الماية ما شالتش منه الهم اللي عليه..
ما شفتش غير عيل عجوز، ما شوفتش في الليلة دي غير وش أبويا.. الباشا.. وبدلته الغالية وجزمته النضيفة..
وريحته الحلوة..
وبصيت على هدومي وكرهتها..
بصيت على شكلي وكرهته..
بصيت على المكان اللي بنام فيه، والسقف المتشقق، اللي هيقع، والحنفية اللي مش بتبطل تنقيط.. وكرهتهم..
كرهت كل حاجة..
طلع الصبح ومكنتش لسه نمت..
طلعت بره..
لقيت رقم بيتصل عليا..
هو..
قفلت في وشه..
ودخلت تاني.
رحت أطمن على أمي.. كانت عينيها مفتحة، وما بتنطقش..
أمي ماتت..
كإنها كانت مستنية اليوم اللي يرجع فيه.. عشان ترتاح..
بس أنا امتى هرتاح؟
جه العزا..
كنت دايما بتخيل نفسي واقف قصاده.. بصرخ في وشه، بقوله أمي اتحملت إيه، بقوله أنا شفت إيه
بشتمه.. بطلع غضبي عليه.. بقوله إني بكرهه.. بقوله يمشي..
بس لما بقى قدامي فعلا..
إكتشفت إن ده مجرد راجل غريب معرفوش.. ولا يعرفني.
راجل ما ينفعش أعمل معاه كده..
أبويا هو الراجل اللي أمي كانت بتحكيلي عنه.. ده معرفوش.
أبويا حكاية.
..
يوم دفنتها، إداني فلوس، ورجعتهمله..
دفنتها بفلوسي..
بتعبي أنا..
عرض عليا فلوس كتير، عرض عليا أعيش معاه، قالي إن عندي إخوات.. بس أنا معرفتش حد غير أمي. ومكنتش عاوز حد بعدها..
رجعت البيت، يتيم أب وأم..
فقير.. وحيد.. مهموم..
عرفت إن أبويا مش راجل طيب زي ما في حكايات أمي.. بس هي عمرها ما هتعرف ده..
أبويا رجع بعد سنتين من سفره.. رجع للبنت اللي كان بيحبها عشان يعزيها في موت أبوها اللي كان ممانع جوازهم
وسافر من غير ما يفكر يشوفني، أو يبرد قلب أمي..
رجع بعدها بسنة، إتجوز.. وسافر مع مراته. .
ورجع بعدها بعشر سنين.. اشترى فيلا.. سكن فيها مراته وعياله.
عرف أخبارنا من الناس..
وما صعبناش عليه..
مرض أمي حسس مراته بالذنب، فحبت تتصدق علينا.. بشوية فلوس عشان يريحوا ضميرهم..
عشان يحسوا إنهم ما سرقوش مننا حاجة!
ما سرقوش سنين من عمر أمي وصحتها.. عشان راحتهم
.. أمي ارتاحت، وعارف إنها حاسة بيا.. وعارف إن دعوتها ليا هتنجيني.. ومش هتحوجني لحد يا رب..
*مقتبس عن قصة حقيقية*

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جزء مفقود في الترجمة

Black Mirror - New written episode.

مبقاش سر