لكني اخترتك..




كنا في ثانوي، أنا البنت المثالية، درجاتي في كل المواد إمتياز، هو أفشل طالب في نفس سني. طلبت مني المُدرسة بتاعتي كنوع من التنويع في إختيار المجموعات إنه يكون شريكي في مشروع الأحياء، وده لإنها شافت فيه حاجة على حد تعبيرها، حاجة كويسة. أخويا كان دايما بيقول عليه ديلر المدرسة. معرفش لو كان ده حقيقي، حتى الأشرار يستحقوا المحاولة..

كان هادي جدا، لكنه كان حاد في التعامل معايا، وعلى حسب ما قريت في علم النفس، النوع ده من الحدة ناتج عن إن نفس الشخص تمت معاملته بحدة. على عكس المتوقع مع الوقت وإحنا بندور على مشروع، حسيت إني مبسوطة إنه معايا في نفس المجموعة. بقى يتغير كل ما نتقابل، كنا كسولين جدا وبدأ تأثيره السئ عليا يبان بوضوح، كنت مبسوطة لأول مرة، والظاهر إن أنا كمان كان ليا تأثير عليه، لدرجة إنه ضحك.. ضحكته كانت جميلة، ولما قلتله كده، مفهمتش اللي حصل بعدها.. 
أخدت شنطته، ملامحه اتغيرت سابني ومشي.. 
كل المجموعات بدأت تسلم مشاريعها وأنا.. وهو معملناش أي حاجة. 
المشاريع كانت ما بين دراسات لتأثير المضادات الحيوية، أطباق فيها نموات بكتيريا على شكل لوحة فنية مشهورة.. بحث عن تزاوج فصائل مختلفة من الحيوانات في القطب الشمالي.. مجلة لإنقاذ الحيوانات المنقرضة والتوعية بخطر صيدها..

كل الحاجات كانت مثالية، وده خلاني بكيت، لأول مرة أجرب إحساس الفشل، وهو حتى ما ظهرش عشان أقدر ألومه. خذلني بطرق كتيرة..

كان دورنا، طلعت وقفت قدامهم وأنا إيدي فاضية، لسه بجمع كلمات الإعتذار في دماغي، في نفس اللحظة اللي دخل فيها الفصل. كان بيلهث ومش قادر ياخد نفسه، واضح إنه كان بيجري... إعتذر من كل الموجودين، وقرب مني وقالي أنا آسف.

المُدرسة بصتلي وابتسمت، يمكن عشان في اللحظة الأخيرة أدركت إني غيرته زي ما غيرني.

كان معاه إصيص زرع.. فيه نوعين من النباتات.. عود ورد وحيد، وحواليه أنواع مختلفة من الحشائش 
قال إنه أول ما زرع الورد وسقاه ظهر جنبه النوع ده وفي البداية فكرت إنه نبات، مجرد نبات، يمكن حتى يكون مفيد للورد ده. لكن اكتشفت إنه بينافسه على الماية، في المكان الضيق ده.. بيأذيه.. كمل كلامه وهو بيبصلي.. ومكنتش متأكدة هو بيتكلم عن إيه بالظبط

في اليوم ده كسبنا المركز الأول، لإن المشروع كان رمزي.. كان بيعبر عننا.. كائنين مختلفين تماما، لكنهم موجودين مع بعض، واحد فيهم معتمد على التاني عشان يفضل عايش سليم.. لكنه في نفس الوقت بيأثر بالسلب عليه

بعد المدرسة، كان واقف لوحده، بيدخن.. أول ما شافني بقرب طفى السيجارة..
وقفت جنبه من غير ما أتكلم.. وعدى وقت كتير قبل ما يقطع الصمت ده بكلامه الغريب.. وجودك في حياتي هيأذيكي.. أنا مش كويس علشانك.. هلخبطلك حياتك.

- بس.. 
* المشروع كان محاولة مني عشان أصلح اللي عملته.. 
- إنت معملتش حاجة 
* حتى وأنا جاي كنت فاكر إنك هتقدري تكملي من غيري، بس ده محصلش.. كنتي واقفة لوحدك.. حاسة بخيبة أمل. مكسوفة، وراسك في الأرض.

هيفضل ده حالك طول ما إنتي حواليا.. دايما هيحصل كده لو فضلت موجود.. وأنا مش هعمل كده تاني فيكي.

سابني ومشي.. ومكانش فيه حاجة أقولها.. كلامه كان صح.. للأسف كان صح.

تاني يوم في المدرسة مجاش، رغم إني كنت مقتنعة بكلامه، ومش قادرة أجازف بمستقبلي في آخر سنة، وأضيع كل اللي عملته.. كانت عيني بتدور عليه.. ماشية ومستنية أسمع نبرة صوته، فأحس بقلبي بيدق من تاني.

طول الحصص مكنتش مركزة.. حتى غيابه بيأثر عليا بطريقة سيئة. 
لفت نظري الزرعة بتناعتنا، جنب الشباك. فضلت باصة ليها، لكن حاجة غريبة حصلت..

كان واقف بره، في حوش المدرسة، رايح ناحية عربيات المدرسين.. 
ساعتها خرجت من الفصل..

وصلت لهناك من غير ما حد يشوفني، كنت حريصة إن محدش يشوفني حتى هو..

كان بيسرق عربية أستاذ التربية الرياضية.. محفظته، وموبايله كانوا في العربية..
وأنا كنت بصوره، إنهرت ساعة ما شفته، عيطت، عمره ما هيتغير.. كان عنده حق في كل كلمة.. لكني قررت أحتفظ باللحظة دي، عشان لو للحظة فكرت بعد كده فيه أرجع عن قراري.

رجعت الفصل، حصة تانية.. وهو حضر.. كان وشه كدمات، كإنه مضروب.. 
أكيد حد من اللي متورط معاهم، أو حاول يسرقهم هو اللي عمل فيه كده.

كان بيبصلي.. لكني مكنتش مهتمة.. اللي شفته مقدرش أنكره. خلاني حتى أكرهه. 
حاول يكلمني قبل ما نروح، لكني ما إديتوش فرصة.

ورا الملعب، المكان اللي كنا بنقعد فيه عشان نخطط لمشروعنا اللي ما كملش.. 
كنت محتاجة أروح هناك، وأعيط.. رحت، وقعدت في المكان السري اللي كنا بنقعد فيه.

كنت بعيط عياط هيستيري، وأنا مشغلة الفيديو اللي صورتهوله.. 
لكن بعد نص ساعة قررت أمشي، أكيد كل الناس مشيت، ومش حابة اليوم يبقى أسوأ من كده كمان بإني أتحبس في المدرسة.

خرجت وأخدت شنطتي، ورحت عشان آخد العجلة بتاعتي، وأروح.. 
لكن كان فيه حاجة غريبة بتحصل.. كان فيه 3 مخبيين وشهم بيضربوا أستاذ التربية الرياضية عند العربية بتاعته، من غير ما أفكر صورت اللي حصل بالموبايل، وجريت أستخبى مرة تانية في المكان بتاعنا. .
سمعتهم وهم بيتحركوا ناحية العجلة بتاعتي، كانوا مستغربين ومش عارفين مين اللي لسه موجود في المدرسة, فضلوا يدوروا عليا في كل مكان، مقدرتش أشوف غير وش إتنين منهم.. إتنين من فريق الرياضة بتاع المدرسة!

فضلت مكاني لمدة ساعتين، لحد ما الليل قرب، وبعدين خرجت، رجلي مكانتش شايلاني. البوابة كانت مقفولة، مكانش عندي الجرأة أرجع مرة تانية لنفس المكان اللي سبت فيه العجلة بتاعتي. نطيت من على البوابة، وأنا نازلة وقعت، هدومي اتبهدلت، ورجلي إتجزعت..

مشيت لحد البيت، أبويا وأمي وأخويا كانوا بيتفرجوا على التلفزيون، وصلت أوضتي وغيرت هدومي، كان يوم غريب، وتقيل.. حياتي إتغيرت فيه كليا.

النهاردة أنا كنت شاهدة على جريمتين، التعدي على أستاذ، وسرقته..

باب أوضتي خبط، دخل أخويا، وسألني ليه اتأخرت ورجعت امتى، قلتله إني كنت مع صاحبتي، وخرجت معاها من المدرسة بعربيتها... لكنه سألني سؤال غريب..

“عشان كده سيبتي العجلة بتاعتك في المدرسة؟”

فكرت كتير، وحسيت بدوار قبل ما أجاوبه..

“أيوة”

_____________

أخدت هدوم المدرسة اللي إتوسخت ونزلت عشان أحطهم في الغسالة.. لكني في نفس الوقت، لقيت هدوم تانية.. هدوم أخويا.. هدوم الشخص التالت اللي كان موجود في المدرسة وقت التعدي على الأستاذ!!

“عشان كده سيبتي العجلة بتاعتك في المدرسة؟”

شغلت الفيديو مرة تانية، والحقيقة صدمتني.. كان أخويا.

الشخص اللي حبيته سرق، وأخويا قام بضرب الأستاذ.. وأنا الشاهدة الوحيدة على جرايمهم..

قررت أسكت، رحت المدرسة زي أي يوم، وهناك عرفت إن المدرس حالته خطيرة في المستشفى بسبب إضابة دماغه وارتطامها بالأرض..

كمان إتعرف إنه اتسرق.. وبدأوا يفتشوا الخزنة بتاعة كل واحد وواحدة فينا، والشنط، حتى التفتيش الذاتي.. وللأسف لقوا المحفظة والموبايل معاه.. حتى لما قررت أسكت عشان أحمي الناس اللي بحبها، ده مكانش كفاية.

لكن الغريب إنهم اتهموه بالتعدي على المدرس، وتم القبض عليه، بصماته على العربية في نفس المكان اللي إنضرب فيه..

ومحدش إتكلم، أخويا كان بيضحك، مع الاتنين اللي قاموا بالجريمة.. فلتوا منها على حساب الشخص الوحيد اللي حبيته!!!

لكن وقت ما كانوا بيقبضوا عليه، كان بيبصلي نفس البصة، كان بيعتذرلي. 
والمرة دي كان مفروض أعتذرله، عشان أنا عارفة الحقيقة ومش قادرة أقولها.

اعتبروا الكدمات اللي في وشه سببها مقاومة الأستاذ ليه، والدافع بالتعدي كان السرقة، وظبطوا معاه المسروقات. 
كانت كل حاجة بتقول إنه هو اللي عملها.. مستقبله ضاع حرفيا.

في البيت بالليل، أخويا قام من على العشا عشان تليفون جاله، قمت عشان أغسل إيدي لكني سمعته.. كان بيكلم حد فيهم.. شركائه في الجريمة.

كان بيطمنهم إني معرفش حاجة، وإني مكنتش موجودة.. وكان بيقولهم إن بعد النهاردة مفيش شاهد على اللي حصل، وأستاذ الرياضة حالته سيئة..
لكن نبرته اتغيرت فجأة وهو بيتكلم، وقالهم إنه مش هيشترك معاهم.. 
ساعتها دخلت عليه.

ارتبك وقفل الموبايل..

قلتله: - عاوزين يكرروها صح؟ 
- إنتي بتخرفي بتقولي إيه 
* أنا عارفة كل حاجة متحاولش تنكر!!! 
- إنتي مش عارفة إنك اتجننتي؟

ساعتها مسكت الموبايل، وشغلت الفيديو.. 
حط إيده على راسه، وإنهار

“هفهمك”

* تفهمني إيه؟ تفهمني إيه؟ 
- ده مش أنا !

دخلت وجبت الهدوم ورمتها قدامه، أبويا وأمي دخلوا عشان يفهموا سبب خناقنا.. 
وساعتها قرب مني وحذرني أقول ليهم حاجة..

لكني قلت.. قلت عشان أنقذه.. عشان اللي جاي لا يمكن يتصلح

أبويا عرف وكلم صاحبه المحامي، واللي أكدلنا إن لو أخويا تعاون عقوبته هتكون أقل.. وإنه لو اعترف على التانيين وعلى نواياهم بإرتكاب جريمة تانية ده هيكون في صالحه..

كان بيبصلي بغضب، لكن كانت فيه حاجة ناقصة ولازم أعرفها.. 
سألته: “ليه عملتوا كده؟”

قالي تفتكري ليه؟ 
ولما ماما سألته، اعترف بعد ضغط منها إن الأستاذ كشفهم وهو بيتعاطوا حاجات ممنوعة في المدرسة، وكانوا بيوزعوها كمان على بقية الفريق.. وفي نفس اليوم، كان هيبلغ إدارة المدرسة، واللي بالتأكيد هتبلغ البوليس والأهالي.

- طب وهو، السرقة.. 
قالي إنهم اللي أجبروه يعمل كده، وإنهم ضربوه قبلها واضطر يعمل ده بعد ما أخويا أكدله إني قلت عليه كلام سئ وإنه شخص فاشل ومستقبله هيكون يا السجن، يا الشارع.

وتعاملي معاه بحدة كان بيأكد كل كلمة أخويا قالها. 
كان يائس، وعمل كده بغضب وإندفاع..

إترجيت أبويا إن نفس المحامي يدافع عنه. وبشهادة أخويا تم تبرئته من تهمة الإعتداء، أما الاتنين اللي قاموا فعلا بده، فكانوا بيخططوا لقتل المدرس في المستشفى.. وده كان هيكون سهل لإن واحد فيهم أبوه دكتور، فحجة وجودهم في نفس المكان عادية ومقبولة.

أخويا، و... هو 
تلقوا العقاب اللي يستاهلوه، سلمت الفيديوهات اللي معايا للمحامي. 
أخويا كرهني، لكن بعد كده تفهم إني عملت ده فعلا عشان كنت خايفة عليه يتورط أكتر.

أما هو فسافر عشان يكمل في مدرسة عسكرية إجبارية، كنت هناك عشان أودعه، في إيدي إصيص زرع لنباتين بيتم تحميلهم على بعض، فضلت أدور عليه مخصوص لحد ما لقيته.. عشان ياخده معاه، بثبتله إن ممكن إتنين مختلفين عن بعض، ينقذوا بعض ويعيشوا في نفس المكان، من غير ما حد يأذي التاني.

سألته: هترجع؟ 
عينيه ابتسمتلي.. ووعدتني هيرجعلي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جزء مفقود في الترجمة

Black Mirror - New written episode.

مبقاش سر