قصة حياة علبة مناديل.


أنا علبة مناديل. ما تستغربش، النهاردة أنا بطلة القصة. أول منديل إتسحب مني كان من نصيب بنت في عيادة دكتور أسنان، كانت جميلة، لكن ضرسها إتكسر، وجات العيادة عشان تخلع النص اللي كان لسه باقي.  كنت موجودة على المكتب وسمعت الحوار من أوله:
- إنتي جاية لوحدك؟
* أيوة
- طيب بتعيطي ليه إحنا لسه عملنا حاجة؟
* مش بعيط عشان كده..
- اممم، طيب أنا مش هعرف أشتغل وإنتي بتعيطي! خدي منديل.. إيه بقى اللي كسر ضرسك كده أكلتي حاجة ناشفة ولا إيه؟
* أبويا ضربني بالقلم..
- ..
- قربنا نخلص خلاص..
- ألف سلامة عليكي.
* شكراً.
خرجت البنت وقبل ما تخرج أخدت منديل تاني، وحطته مكان الضرس المخلوع، وساعتها عرفت بقية الحكاية، نتيجة الثانوي بانت، ولما مجابتش مجموع فوق التسعين، أبوها ضربها وإتهمها بالإهمال، مش دي الألفاظ اللي استخدمها، لكن القلم الحقيقي مكانش اللي كسر ضرسها، القلم إن كل عيلتها كانوا متصالحين مع الموقف. محدش حتى جه معاها العيادة، رمت المنديل بعد شوية، وفضلت تبص للطريق، يمين وشمال، بتدور على طريق جديد، طريق مفيهوش الإحساس اللي هي حاساه.

بعد ساعة وصلت ممرضة العيادة، كانت حامل في التامن، الدكتور طلب منها تقعد في البيت، بسبب تأخيرها المستمر، وإنها خلاص مبقتش قادرة تساعده، ولإنها لازم ترتاح.. هرموناتها عملت الواجب، وبدأت تسحب مني مناديل كتير.. عيطت وقالتله بس أنا ما ينفعش أسيب الشغل، حاول يهديها وقالها أنا مش بقولك سيبيه، لكن لحد ما تقومي بالسلامة أنا هستعين ببنت تانية، وبعدها تبقي تيجي ومكانك محفوظ..
فضلت تعيط بهستيريا، ومعرفتش ترد، الدكتور شالني من على المكتب، وقالها خدي، شكلك هتحتاجيها..
مسكت شنطتها، وطول الطريق كانت بتعيط، وفضلت تسحب مني مناديل.. لكن شكيت إن دي تكون الحكاية، مجرد هرمونات حمل!
وشكي طلع في محله، طلعت الميكروباص، وقعدت في الكرسي اللي جنب السواق بصعوبة لكن عشان تعرف تقعد براحتها، حطتني على الكابوت، وتليفونها رن،
- أيوة يا ماما..
- لا يا ماما أنا اترفدت
- بعيط عشان محدش طايقني، عشان الشغل اللي كنت معتمدة عليه خلاص راح
- جوزي... جوزي حلف عليا بالطلاق لو جبتله بنت هيرجعني بيت أبويا ويتجوز
- أنا ذنبي إيه يا ماما؟ ذنبي إيه أجيب 4 بنات؟
- ربنا ياخدني ويريح الكل مني..
قفلت المكالمة، وفضلت تمسح في دموعها، بعدها بصت من الشباك للسما، وسمعت دعوة قالتها في سرها: "أنا بين إيديك إنت، ما تحوجنيش لحد"

في نهاية الطريق، نسيتني ونزلت، وفضلت مكاني في الميكروباص.
كنا بالليل الساعة 2
وقف سواق الميكروباص عند عربية كبدة، طلب 10 ساندوتشات، صاحب العربية إداله حتة كبدة وهو واقف أكلها، وراح جاب منديل مني يمسح إيده، وهو واقف سمع صوت التليفون بيرن، رد،
- أيوة يا حب عمري
- لا يا بابا أنا جاي أهو خلاص خلصت.
- جعان وأنا موجود؟
- أنا جايبلكم عشوة حلوة، إعمليلنا إنتي بس دور شاي.
- أمك؟
- أه عامل حسابها متقلقيش
- على راسي يا بابا، ياللا سلام.

بعدها أخد الساندوتشات وحاسب، أكل واحد في الطريق، ومسح إيده في منديل، وبعدها عطس من الشطة اللي في الكبدة، أخد منديل تاني وحطه في جيبه، لما وصل البيت سأل على الشاي، حط الأكل، وقال إنه شبع وأكل بره..

تاني يوم كان يوم طويل، زباين كتير ركبت الميكروباص..
أم إبنها كان سخن عشان بيسنن، أخدت مني مناديل وبلتها بشوية ماية عشان تعمله كمادات في السكة.
بنت جميلة كانت بتبص في المراية من ساعة ما ركبت، ولما قربت تنزل جالها تليفون..
- هتقابلني فين؟
- أيوة أنا قربت أوصل..
- مش كنت تقولي إنك جاي؟

خلصت مكالمة ووشها وَرّد خرجت من شنطتها روج وسحبت كام منديل عشان تمسح وشها.. كانت مبسوطة، وأنا كنت مبسوطة، والسواق ابتسم وعلّى أغنية الست،
(بيني وبينك.. خطوتييين، خطوتييين.. خطوتين..)

بعدها ركب ولد دماغه كانت مفتوحة، أخد مني مناديل كتير عشان يحبس الدم، السواق سأله مين اللي عمل فيك كده؟
قاله ولاد الحرام كتير.. شغال في ورشة حدادة، واحد قال للمعلم إني بعاكس بنته، قام فاتحلي دماغي.
- وإنت بتعاكسها؟
ضحك وقال:
يابا أنا عندي إخوات بنات، هي بتضحكلي، بس أقسم بالله أنا بديّر وشي.

نزل ودمه سايح في مناديلي قدام مستشفى طوارئ، مكانش مضايق، كان بيحب.. 

ركب مكانه بنتين في كلية، شكلهم مبسوطين، لكن واحدة فيهم كانت مبسوطة أكتر..
التانية قالتلها إحكيلي..
- مفيش قعدنا وإتكلمنا، قالي إني وحشته، ولما شاف إيدي مربوطة، وقولتله إني وقعت عليها وإتجزعت، مسك إيدي وباسها ..
* وبعديييين
- وجابلي شيكولاته..
* وريني.
- ناكلها سوا؟
* ياللا
- تصدقي؟ أنا كل يوم باكل شيكولاتة بس دي طعمها أحلى.
* شيكولاتة الحبيب بقا، إمسحي إيدك ياختي بدل ما تبهدلي هدومك..
ضحكوا، وسحبت مني منديل عشان تمسح إيديها.. وقبل ما تحط بقية الشيكولاتة في الشنطة، أخدت واحدة كمان وأكلتها، كأنها مش عاوزة طعم الحب يفارقها.
في نهاية اليوم سواق الميكروباص راح وقف قدام نفس عربية الكبدة..
طلب 5 ساندوتشات وقعد ياكلهم على ترابيزة، وطلب 10 للبيت..
أخدني من العربية وحطني على الترابيزة.. أكل لوحده، لكن صوت عمرو دياب في العربية كان مونسه، كان عمرو بيغني للحب، ووقتها مالقاش السواق أحلى من الكبدة الإسكندراني يعبرله عن حبه، ضحك في سره، وكمل أكل، ونساني وقام.
بدأت حكاية جديدة لما قعد على الترابيزة 2 مخطوبين..
- إيه رأيك في المكان؟
* حلو أوي، كفاية إننا بناكل في الهوا كده، ومع بعض، وبالليل، كان نفسي أخرج بالليل..
- معلش بقى على أدنا، لو ربنا كرمني عليا النعمة لأوديكي أحلى كافيهات فيكي يا مصر.
* وهعمل إيه بالكافيهات، أنا ما يملاش عيني غير المكان اللي أحس إني فيه مبسوطة وعلى راحتي. وأنا ببقى مبسوطة وعلى راحتي معاكي.
- إنتي خطر على فكرة..

بصوا لبعض أكتر من نص دقيقة، وبعدها أكلوا، وفضلوا يضحكوا ويتسامروا لحد ما العربية كانت بتقفل..
إتقفل عليا وسط التوابل، والطماطم والخضار..
تاني يوم كان بيتمسح بيا العربية، بواقي الصلصة، شوية كمون واقعين، لحد ما جه ولد صغير بيشتغل في العربية، كان عنده برد..
- إيه مالك كده شكلك عيان
* أوي ياسطا، الدنيا مطرت عليا وأنا مروح وكنت لابس خفيف ومن ساعتها وأنا بعطس وأكح..
- لاا الزباين تقرف كده، خد علبة المناديل دي ومش عاوز شكلك يبقى عيان كده، خلص معايا الشغل وروّح مش عاوزك النهاردة..
* تسلم ياسطا.
- وابقى خدلك فلوس من الدرج هاتلك حاجة من الصيدلية..
* ياخد عدوينك يا أسطا

أخدني الولد في نص اليوم، ركب على العجلة بتاعته، وقف عند صيدلية، وأنا في جيبه، فضل يعطس خرجني وحطني على الفاترينة، أخد مني مناديل كتير لحد ما فاق شوية.. وأخد دوا للبرد، وحاسب، ونساني..

شافتني الدكتورة اللي في الصيدلية، حطتني في جنب..
بعد شوية جات ست، طلبت إختبار حمل، الدكتورة شكلها كانت عارفاها..
- برده؟ ما قلنا نستنى شوية لحد ما تتأخر!
* مش قادرة يا دكتورة، نفسي أفرح جوزي وأفرح بقا..
- يا حبيبتي والله كل بأوانه.
* إدعيلي إنتي بس والنبي
- ربنا يكرمك ويرزقك باللي يقر عينك، هتعمليه هنا ولا في البيت؟
* لا هنا، مش عاوزة أدي لجوزي أمل على الفاضي
- طيب إدخلي، بس الحمام مفيهوش مناديل خدي من دي بقا

سحبت كام منديل، ودخلت الست الحمام، وبعدها طلعت
- كده إيه؟ كده حمل صح؟
* هو خط مش باين أوي بس إستني شوية يظهر
* أيوة كده حمل، ألف مبروك..
- والنبي بجد، والله إنتي وشك حلو عليا.. ياما إنت كري يارب..
* الحمد لله ربنا يكملك على خير.
- تسلمي يا دكتورة.. أما أكلمه أبشره..

خرجت الست كإنها بتجري، وبتكلم نفسها، وابتسمت الدكتورة وبعد شوية، جالها تليفون، جارتها بتقولها تروح عشان أمها تعبانة، كانت عارفة إنها مش تعبانة، فضلت تعيط وهي بتلم حاجتها، أخدت مناديل مني وكنت أتمنى أعرف أواسيها أكتر من إني أمسح دمعها.. في نهاية اليوم اتقفلت الصيدلية، باقي فيا منديل واحد، مستعد لقصة جديدة..

BY: Asma Abdelnasser 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جزء مفقود في الترجمة

Black Mirror - New written episode.

مبقاش سر