نصف الجينات، كُل الحب.



سُمٌ وُضعَ في عسلٍ. يا ويحي، كم كنت حمقاء!
عيناكِ جميلتان. أحب وجهكِ، لقد قلقت عليكِ، لقد اشتقتكِ، لقد جلبت لكِ هدية، لا يمر الوقت إلا إذا جُلتِ بخاطري. وضع قبلةٌ في راحةِ يدي، فأضاءت في موضعها نجمة.
يا إلهي، لقد صِرت سماءًا. سماء مرصعة بالنجوم.
مر الوقت.. مر الكثيرُ من الوقت دونما يذكرني. انطفأ جسدي. صار قلبي قفرا.
كيف تذوب في جسد شخص أخر، في روحه، في قلبه، في عينيه، ثم تعود وحيدا؟
كيف تستجمع نفسك من داخله؟ كيف تفارقه دون أن تشعر بالنقصان؟
لا أدري ما الخطأ الذي ارتكبته، لا أعلم لمَ ينهار كل شئ فور اكتماله!
أرسلت له العديد من الرسائل التي بدت كأنها تتبدد في الفضاء. ذهب من حياتي دون أن يترك أثرا، كشبحٍ استحدثته من العدم.. وقد فنى.
لكن شيئا منه كان ينمو داخل أحشائي، كان يثبت أن كل شئ حقيقيّ.
إنه طفلٌ ذكر، أستطيع أن أشعر ذلك.. أتمنى أن يمتلك عينين تشبه عينيّ. أتمنى أن يُحبني.
لم أضطر للكشف عن الأمر في البداية، جسدي الهزيل الذي اكتسب بضع كيلوجرامات قليلة، كان يجيد اخفاء الأمر.
لكنها الأنيميا قد وشت بي. طرحتني أرضا ذات يوم، وعلم الجميع.
كنت أستحق موجات السباب التي غرقت تحتها، لا زلت أستطيع أن ألتقط أنفاسي رغما عنها.
لكن عندما أُجبرت على إجهاض طفلي؛ كي لا أجلب العار للجميع. كدت ألفظ آخر أنفاسي.
أعين حمراء، ووجوه مكفهرة تنظر نحوي، لعنات وسباب تُقذف عليّ فتحرق جسدي كجمر ملتهب. أنا وحدي.. وحدي في خطيئتي، وحدي في حبي الكاذب، تذوق هو العسل وترك لي السُم. سُمٌ في عسل..
سُمٌ في عسل، كان من نصيبي وحدي.
لقد لفظني الجميع كشوكة تنغص عليهم حيواتهم.
كان عليّ أن أنجو، من أجله. لن أقتله كي أبرأ من فعلتي. غادرت المشفى عندما بزغ الفجر، لجأت إلى صديقة لي، صديقة كانت تنصحني دوما بالابتعاد عن ذلك الشيطان الذي أغواني. كنت أسأل نفسي، لماذا يجب أن أتنصل من المسئولية، من الرغبة، لم تكن جمجمتي فارغة. لقد أردت كل ذلك، ويا ليتني لم أرده.
أهبت أذنيّ كي تستقبل ثلاث كلمات: "ألم أقل لكِ؟"
ظهرت أمامها، واهنة الجسد، منتفخة البطن، مرتعشة الساقين، مُصفرة الوجه، وجريحة القلب.
كان بوسعها أن تشم تقيح الجرح غير المرئي، كان بوسعها أن تقرأ القصة كلها في عينيّ.
لم تُعلّق..
جذبتني إليها، وأدخلتني بيتها. كانوا قد اتصلوا بها بالفعل، وفهمت من قلقهم، وغضبهم المُصاحب بالسباب واللعنات ما قد جرى.
صديقتي العقيم التي تركها زوجها، لأنها لا تستطيع أن تأتي له بطفل.
كانت أول من قفز إلى أفكاري. وحدها تستطيع أن تتفهم لماذا أريد أن أُبقيه. أن أدعه يأتي إلى الحياة.
لقد تخلى عني الجميع في لحظة، لسبب واحد. لخطيئة واحدة.
والله لم يفعل.
لقد تبرأ مني أبي.
لقد نكرني الرجل الوحيد الذي أحببته.
لكن.. ابني.. طفلي أنا، سيحبني. سيبكي مع الجميع، وعندما أحمله أنا سيعرف.. سيعرفني، ويطمئن.
سيهرب من كل شئ إليّ، ولن يهرب مني.
سأشاهده وهو يكبر أمام عيني، ويضحك إليّ. ويناديني ماما..
سيكون الشخص الوحيد في العالم الذي لن يخذلني.
لماذا قد أتخلى عنه الآن!؟
كانت صديقتي الحنون، التي لن تحمل في رحمها طفلا. تفهم ما أريده، ما أحتاجه.
لكنها لم تكن تستطيع أن تضمنه لي.
بمرور الأشهر، كان صغيري يحصل على المزيد، المزيد مني، المزيد الذي يُبقيه على قيد الحياة، ويدفني إلى حافة الموت.
وهن على وهن..
في الشهر السابع، تم نقلي إلى المشفى..
كان تُمسك بيدي، وتشد عليها.. وتبكي.. كنت أشعر به بداخلي، كان ينازع، يصارع، ثم توقف فجأة!
كنت أريد أن أراه..
لكن سوادا قد ملأ العالم، وصمتا أطبق عليه.
شق الصمت صراخه، لقد.. لقد سمعت صوته، فتحت عيني.. كانت تحمله على ذراعيها..
تقول له..
- انظر، ها هي ماما.. إنه يشبهكِ، له عينيكِ..
نظرت إليه.. قبلته..
ثم شعرت بها تقترب.. النهاية..
- أخبريه كم أحببته.
* ماذا تقولين!؟
- كوني أمه.. أخبريه أنني.. أنني أحبه.


 -تمت- 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جزء مفقود في الترجمة

Black Mirror - New written episode.

مبقاش سر