سلم مكسور (نجلاء وعادل)





لقد كان عاما سيئا بكل المقاييس، لا أصدق أنني سأضطر أن أعيشه للمرة الثانية،
إن الأمر أشبه بمعاودة حضور فيلم ممل وسخيف. أنت تعرف نهايته مُسبقا.
لقد رسبت في عامي الثالث في الجامعة، ليس لأن ذكائي محدود، أو لأن المواد التي ندرسها صعبة الفهم،
لكنه بسبب اكتئابي العزيز، لقد ارتبطت بمرضي الغير معترف به ارتباطا وثيقا، حتى أنني قد أطلقت عليه اسما
كنت أسميه: "ميم"
كنت أكتب له رسائل وخطابات، وأشاركه يومي، ومشاعري..
لا يستطيع أحد فهم الأمر كما هو عليه، أنا لا أرغب بالنهوض من الفراش، 

ولا أرغب بمغادرة الغرفة، لا أرغب بتناول الطعام،
 ولا بالمشي ساعات حتى أصل إلى المكان الذي أضطر فيه إلى الاستماع لأشخاص لا يواجهون ما أواجهه
ولا يدركون شيئا عني، لا أهتم حتى بما يقولونه، أو بما يعرفونه..
لا أفكر بشئ غير إنهاء حياتي.. لكن لا أحد يهتم بذلك، هم يهتمون أكثر بشأن إنهاء دراستي.
كان أكثر ما أحزنني، أنني سأضطر إلى مقابلة أناس جدد في هذه السنة..
لقد تعودت على زملائي بعد مرور عامين، وأصبح لي بالكاد صديقتين، لن أرى أي منهما في الغالب بعد الآن.
لم أكن أجيد فن التعامل مع الناس، أفضل البقاء بمفردي،
إن الأمر أسهل حينما أكون وحدي،
لا يلاحظ أحد غرابتي.. وغرابة أفكاري! ويصبح ذلك موضع نقاش.. لقد خضت ذلك من قبل، ولم ينتهي الأمر على خير! ...
إنها السادسة صباحا،
لم أستطع النوم قبيل أول يوم دراسة، لقد ظل عقلي يضع آلاف الاحتمالات التي من الممكن أن تحدث لي،
جلست بجانب مصباح خافت على المكتب، كتبت رسالة له:
عزيزي ميم،
لقد سلبت مني الكثير، سلبت أيام من عمري، وتجارب عديدة،
لا أستطيع أن أضيّع أكثر مما قد ضيعته،
لا يمكنني أن أظل في نفس الدائرة إلى الأبد، أريد أن أكسر جزءًا منها، وأن أهرب للأبد.
كن لطيفا معي، ولا تجذبني إليك.
...
كان الوقت قد حان، فتحت دولابي لأنتقي شيئا ظريفا يناسب أول يوم..
حسنا... يبدو أنني أحتاج إلى التسوق!
لم يكن هناك لون غير الأسود، هذا شئ أخر له علاقة بعزيزي ميم، إنه يحب الظهور،

 يحب أن يطغى على أي شئ أخر.. والأسود كان أفضل شئ يعبر عنه.. أكثر شئ يشعرنا بالراحة،
ارتديت فستانا أسود، كان يناسب تماما ما أشعر به..
وبعد ساعة ونصف، وجدت نفسي واقفة أمام مبنى الكلية،
لا أصدق أن عاما قد انقضى دون فائدة، وأن على معاودة الكرّة، وقضاء عام أخر في دراسة شئ لا يستهويني..
حرقت الشمس جبيني، وبدأ زملائي الجدد ينظرون إليّ وإلى وقوفي الغير مبرر الصامت!
دلفت إلى الداخل،
صعدت السلم، وفي عقلي أنا أسقط من منحدر عال،
كان علي حضور سكشن الإقتصاد،
جلست في زاوية بعيدة، في أخر صف، لتأخري عشر دقائق عن الموعد المحدد،
المحاضر يقول نفس الأشياء التي كان يقولها منذ عام فائت..
يسأل نفس الأسئلة التي يظن أن أحدا لن يعرفها،
أراهن أنه سيجيب بعد خمس دقائق، ويبتسم لأننا جميعا صمتى كالكراسي التي نجلس عليها،
قال بثقة: "هاا، محدش عارف؟ .."
لم ينطق أحد،
فأكمل: "زي كل سنة يا سنة تالتة، أنا مش فاهم إنتوا نجحتوا إزاي، وجيتولي هنا.. !"
قبل أن يجيب على السؤال، ويستعرض معرفته، وجهلنا..
نطقت بالإجابة!
فنظر الجميع إليّ.. كأنني اعترفت لتوّي بارتباكي لجريمة قتل!
" اممم .. صح، برافو .. بس أنا شفتك قبل كده! .. اسمك ايه؟"
قبل أن أجيب.. أكمل كلامه، وجاوب على نفسه، عندما كان ينظر إلى كشف الحضور في الوقت ذاته
"أهااا .. قولتيلي بقا، إنتي اللي عايدة السنة، طب كويس والله، شكلك نويتي تنجحي السنادي.. المهم نكمل.. "
بلا .. بلا .. بلا..
ما شأني بالإقتصاد على أي حال، أنا أكره الأرقام.. وأكره الرموز، وأكره الرسوم البيانية..
كان ميم، يُحدثني .. يسخر من طريقة عماد التي لم تتغير، يخمن ما الذي سيقوله، فيقوله،
"دلوقتي هيروح عند الكرسي، ويرفع رجل عليه، ورجل على الأرض، ويضم ايديه، ويسأل سؤال لولبي"
فعل ذلك بالضبط، فانطلقت مني ضحكة، وكتمتها فكان الأمر أسوأ..
نظر إليّ بغضب، وقال:
"خير يا باشمهندسة! .. ضحكينا معاكي"
- لا أبدا، بس زي ما حضرتك قلت إني عايدة السنة، فحاسة ان الموضوع مكرر، والأسئلة مكررة..
"اممم .. والأسئلة المكررة دي انتي تعرفي اجابتها؟"
- أها .. عارفة!
" أومال سقطتي ليه!"
- عشان دكتور المادة ما بيحبش حد يناقشه، وأنا كنت بناقشه لحد ما زهق مني..
"اممم.. بس فيه نقاش فيه فايدة، وفيه نقاش مضيعة للوقت، زي ده كده"
- حضرتك اللي بدأت النقاش ده، وأنا برد..
"طب اقعدي، وما تكرريهاش تاني"
ان الجميع يذكر رسوبي ويعيّرني بها، كأنها معصية كبرى، وخطية لا تُغفر!
وأنا لا يهمني ذلك، أنا أثق بعقلي..
في أخر 10 دقائق،
فتح شخص ما الباب، بدون استئذان ودخل..
كان يضحك دون سبب، وينظر للمحاضر، يريد أن يخبره بشئ..
"أنا آسف يا دكتور، بس هو أنا المفروض ده سكشني.. 

بس رحت حضرت ميكروبيولوجي وقعدت وفي الأخر وهم بيمضوا الغياب عرفت انه مش السكشن بتاعي.."
- إدخل ماهو يوم باين من أوله..
"نظر إليّ بينما كان يتحدث"
لقد أغظته، وهذا شئ جيد بالنسبة لي..

بعد انتهاء السكشن، استدعاني دكتور عماد واستدعى الطالب المتأخر الذي لم يكف عن الضحك حتى الآن"

- بصي يا أستاذة نجلاء، أنا عارف إنه إزاي صعب على الواحد يعيد السنة، 

وخصوصا لو مكانتش مشكلته في المادة العلمية، وده أنا شوفته النهاردة أهو.. بس مفيش داعي للسخافة اللي بتحصل دي..

• ثواني يا دكتور، أنا معملتش أي حاجة أنا مجرد جاوبت سؤال حضرتك سألته، وحاسه إن السكشن بيتكرر للمرة التانية، 

حتى حركاتك، ووقوفك في الكلام، الأسئلة اللي بتسألها، كل حاجة، وده شئ بيضغط على عقلي..
 ما دام مش مشكلتي في المادة العلمية زي ما بتقول، أنا ليه موجودة مع ناس أصغر مني؟
وليه مخدتش حقي وبقيت في المكان اللي بستحقه؟
- عشان لسانك طويل، ولا مش واخدة بالك؟
• ميرسي يا دكتور
- أنا مش هناقشك دلوقتي.. ولو مش عاوزة تحضري السكشن تاني، ما تحضريش.. بس لو هتحضري تلتزمي
• الالتزام عند حضرتك إني أقعد ساكتة وفاتحة بؤي زي زمايلي؟ وحضرتك بتتكلم طول الوقت بكلام انا عارفاه وخلاص!
- نجلاء!! .. خلاص قلت مش هتناقش دلوقتي!

- إنت بقى يا أستاذ يا مسطول أخر مرة أسمحلك تدخل متأخر..

• عديها بقى يا دكتور، أنا مخدتش بالي والله، صباح الفل بقا.
- صباح الفل يا سيدي.. اسمك ايه انت كمان؟
• عادل..
- أديني علمت على اسمك، اتفضلوا ياللا..
.........
خرجت وكدت أنفث نارا من فمي.. لحقني هذا الطالب "عادل"
- يا باشمهندسة..
• أنا ؟ .. نعم!
- ما تفكي التكشيرة دي كده، مالهاش لازمة يعني، وما تزعليش من دكتور عماد.. إنتي اللي عدتي السنة صح؟
• وإنت مالك أساسا!!

لقد كانت نظرة الدهشة على وجهه تستحق التوثيق..
لا بد لي أن أكون أكثر تحكما في لساني.. ما الذي يخيفني من الناس على كل حال؟
ما الذي يدفعني إلى الهجوم عليهم، والدفاع عن نفسي في كل مرة!؟

...
جلست في ساعة الراحة، خارج الكلية، كان معي كتاب وقلم،
أحب الرسم فوق الكلمات، وتعديل الجمل، وإعادة صياغتها، أحب تعديل كل شئ..

مرّ عادل من أمامي، رمقني بنظرة غريبة، جدية.. ثم قال: "البقاء لله" !

نظرت إلى فستاني الأسود، ثم ضحكت في نفسي..
عندما عاودت النظر إليه، كان قد ابتعد مع أصدقائه..
رسمت اسمه في صفحة من الكتاب.. كيف لشخص لم يعد طفلا أن يحمل هذا الكم من البهجة، والسعادة!
إنه يتمشى في أرجاء الكلية، ضاحكا غير مهتم بأي شئ، يسخر من كل شئ، حتى من نفسه..

نظرت إلى اسمه في الكتاب، وصببت غضبي على نفسي!
ما الذي أفعله!!

............... 


عزيزي ميم،

لا يمكن لأحد أن يتفهم ما أشعر به الآن، يُغريني السقوط، أريد أن أستريح إلى الأبد، إن الحياة تؤلم أكثر من الموت!
لماذا أقاوم؟ لماذا يوجد بداخلي شئ يتعلق بالحياة، إن كنت لا أستطيع أن أعيشها بصورة طبيعية!..

لقد فشلت مجددا.. كعادتي، فشلت حتى في قطع رسغيّ..
أترى ما قد فعلته بي؟ .. 

..
لقد انقطعت عن الذهاب للجامعة، لزمت غرفتي، لاسيما سريري، أغلقت على نفسي،
في غرفة بعقلي، ولم أغادرها..
في اليوم الثالث..
تصفحت Facebook
لم يلاحظ أحد غيابي..
لم يسأل عني أحد،
أبي لم يتفقد أحوالي، ولم يهمه الأمر.. لم أهمه أنا..

توقفت عن تناول الطعام،
وجاءتني تلك الفكرة الملعونة،
ما الفارق الذي أحدثه في العالم! .. ما الغرض من وجودي!؟
أنا لا أستطيع السيطرة على عقلي، فأي خير سيأتي مني لأي أحد!..
إن الحياة تسير بدوني،
أبي لا يلاحظ حتى وجودي بالبيت، من غيابي..
ليس لدي أي أحد، إن مت الآن لا أحد سيبكي عليّ!
كانت الدموع تغرق عيني، أمسكت بسكين مطبخ حادة، قطعت رسغي..
لم أشعر بأي ألم!
لم أشعر بشئ..

........

- إيه يا عم عادل مالك قالب بوزك ليه، هي القيامة قامت!!
* لا مفيش مضايق شوية بس..
- مضايق! الحمد لله رب العالمين، عشنا وشوفناك مضايق يا عم .. ده انت عمرك ما..
* خلاص يا محمد مش ناقص هزار بجد والله!
- ايه ده فيه ايه يا عم طب احكيلي!!
* مفيش حاجة تتحكي، أنا هروّح، ولو فيه أي امتحانات الاسبوع الجاي ابقى اتصل قولي!
- الأسبوع الجاي!! .. إنت مش هتيجي بكرة وبعده!!
* معرفش.. ربنا يسهل..

*يارب حلها من عندك، أنا معنديش حلول..*

________________

خرج عادل من الميكروباص، وتمشى حتى وصل إلى بيته،
ليجد ريم جالسة على عتبة البيت،

* ريم!! إيه اللي مقعدك في الشارع كده!! وبتعيطي ليه!؟
- جوز أمك طردني ورمى هدومك، وقالي ما انتوش قاعدين في البيت ده تاني!
* مش هنقعد في البيت!! هو كان بيت أمه!! وأمك فين وازاي سابته!!

...............

-ليه يا بنتي بتعملي فيا كده؟ انتي ناقصك حاجة؟ أنا مقصر معاكي!؟
* مش عاوزة أتكلم..
- ...
* إنت ليه ما اتجوزتش تاني؟
- مش عاوز أجيبلـ ..
* من غير ما تتحجج بيا، إنت ليه ما اتجوزتش تاني زي ما هي عملت!؟
- ... وإنتي أ ...
* قلتلك ما تتحججش بيا! .. أنا عارفة وإنت عارف إني مش في اهتماماتك أساسا..
أنا حاسة إنك بتلوم نفسك إني موجودة، بتعاقبني عشان أنا كنت نتيجة جوازك منها!
فاكر لما سيبتوا بعض عملت ايه؟
لما هي رمتني ومشيت،
انت دخلت الأوضة من غير ما تبصلي وقفلت على نفسك..
أنا مش حاسة إن ليا أم، ولا ليا أب!
ومش عاوزاك تتكلم معايا..
مش عاوزاك تتكلم معايا دلوقتي..
عشان أي كلام هتقوله، مش هيمسح كل لحظة وحشة عيشتها بعد اللحظة دي..

--------------

- عمتي ممكن طلب؟ ريم ممكن تاخديها تبات عندك يومين بس لحد ما أدبر أموري؟
• وأمك راحت فين هي وجوزها؟
مسم .. وهي الشنطة اللي انت جايب فيها كل هدومكم دي هتبقى يومين!
- أنا هتصرف والله ومش هسيبها تقعد هنا كتير، بس أرجوكي تحافظي عليها، أنا مليش حد تاني أروحله!
وأمي اختارت خلاص.. ويحرم عليا أقعد في مكان واحد تاني معاها هي وجوزها
• هم يومين يا روح عمتك، عشان لما جوز عمتك ييجي في أجازة مش عاوزة يبقى فيه حد غريب هنا..
- ولو اتصرفت قبل يومين والله هاجي آخدها..

.....
- ريم، خلي بالك من نفسك، واقفلي عليكي الأوضة، وما تتخانقيش معاها والنبي..
• أنا مش عاوزة أقعد هنا يا عادل، إنت عارف أخر مرة حصل ايه!
- والله ما هسمح لحد ييجي يامتك، أنا هتصرف..
• هتتصرف إزاي وهتعمل إيه!!
- ربك هيحلها..
• طب والكلية؟
- متقلقيش أنا هتصرف..
-------------------
- خلاص مش عاوزاك تروح معايا.. روح شغلك وأنا هطلب عربية عادي..
• نجلاء! .. ما توجعيش قلبي عليكي تاني..

إن أبي يتظاهر بالأسى على حالي، رغم كل ما قد مررت به في اليومين الماضيين.. إنه يفكر بعمله،
بأصدقائه، يفكر بأن ينشغل قدر ما يستطيع، حتى لا يلاحظ حياته الخربة،
حتى لا يلاحظ ابنته المكتئبة، وبيته المظلم، والفراغ الذي يلتهم قلبه..

أخرجت هاتفي وطلبت سيارة،
انتظرت نصف ساعة في قاعة الاستقبال بالمشفى..
تأملت كل الحالات التي تدخل، وتخرج..
كل هؤلاء مرضى مثلي..
لكن مرضي لا يُرى.. لا يُرى وهذا يُغضبه..
كان لزاما عليّ أن أقطع رسغيّ حتى ينزف دمي.. حتى أكون هنا.. حتى يروا ما يمكن أن يفعله "ميم" بي..

إن الفتاة الصغيرة التي تستند على عكاز تشبهني،
إن روحي منكسرة.. وقدمها منكسرة..
كلانا يعرج بشكل ما..

وصلت السيارة،
خرجت وأنا أدفع قدمي وجسدي للأمام..
فتحت الباب،
وجلست صامتة، تحركت السيارة.. وأنا لا زلت أتأمل الأنوار الساطعة من عمدان النور في هذا الشارع المظلم..
لم لم أكن عامود نور؟

- حضرتك رايحة فين؟
• شارع جلا.... عادل؟!!
- باشمهندسة نجلاء!
.. 


..
- خير، ألف سلامة عليكي.. مالك!؟
ولا خلاص أنا آسف..

• آسف على ايه!؟
- مش حابب أتدخل في اللي ماليش فيه!
• امممم.. 
ظل ينظر لي من المرآة، كل فترة.. ولم أكن قادرة على خلق حديث، كنت أشعر أنني أفقد وعيي..
وضعت رأسي بين يديّ..
فتحدث إليّ مجددا..
- إنتي كويسة؟
• لأ.. معاك ماية؟
- لأ بس ممكن أشتريلك من أي كشك يقابلنا..
أوقف السيارة أما كُشك صغير، وخرج لشراء المياه،
فخرجت لألتقط أنفاسي..

- أنا جبتلك ماية وباتيه عشان شكلك مكلتيش! .. وآسف لو بتدخل بس شكلك تعبان فعلا..
• هو ممكن أطلب منك طلب؟
- ايه؟
• ممكن بس نفضل واقفين كده نص ساعة..
- والعداد! .. والشغل وبعدين لازم أروح بعد ما أوصلك..
• خلاص.. مش مشكلة..
- بصيتي في الأرض ليه، خلاص يا ستي فداكي، بس تعالي نطلع قدام شوية بالعربية عشان مينفعش نقف هنا..

ركبت السيارة مجددا، وأنا سعيدة بموافقته على طلبي المجنون.. لقد اقتربت من الموت، أكثر من مرة.. 

وحاولت أن أناله أكثر من مرة.. لكنني لم أحاول لمرة أن أقترب من الحياة!
هواء الليل يختلف كثيرا عن هواء النهار، نسماته باردة، غير معبأة بالإحباط ورائحة التعب.
أردت أن أتنفس بعيدا عن البيت، وعن المشفى..

كنت أراقبه من الكرسي الخلفي للسيارة، التقط هاتفه، وبدأ في التحدث مع شخص ما..

- أيوة يا حبيبتي إنتي كويسة؟
- تمام.. لا متقلقيش أنا ظبطت كل حاجة.. أيوة .. تمام .. مش هفضل كتير
- ساعة بالكتير كده وآجي آخدك.. وعاملك مفاجأة..
- محمد رسول الله.. مع السلامة..

نظر إلى في المرآة ثم قال:

- ها هنا كويس؟
• أه ..

فتحت الباب، ثم أحسست بدوار، ظللت ثابتة في مكاني..
اتجه نحوي..

- نجلاء.. انتي كويسة!!
هززت رأسي .. ثم هممت بالوقوف.. اختل توازني..
ان جسدي لا يستطيع المقاومة من أجلي.. لا تستطيع قدمي أن تحملني..
أمسك عادل بذراعي على استحياء، وأجلسني على سور قريب ..

-نجلاء! .. إديني رقم أي حد من أهلك!
أومال لو مكنتش أنا اللي ركبتي معاه، انتي ازاي لوحدك دلوقتي وانتي تعبانة بالشكل ده..!!
• مفيش حد..
- يعني ايه!!؟
• متشغلش بالك، ممكن ماية!؟
- أهيه.. وكلي ده كمان.. شكلك مهبطة..
عارفة؟ انتي بتفكريني بريم أختي..
• شبهي؟
- هههههه لأ.. بس مش عارف فكرتيني بيها وانتي تعبانة كده..
• ربنا يخليهالك..
- يا رب..
ها بقا انتي مالك؟ .. لو ليا اني أسأل يعني!
• مفيش..
- ههههه مش بقولك شبهها!
مش عاوزة تحكي!
• أنا لسه عارفاك من كام يوم!! مش هحكيلك قصة حياتي يعني!
- ...... !
• أنا آسفة..
- عادي.. ولا يهمك..
• لأ.. أنا آسفة بجد.. أنا بس تعبانة ومش عاوزة أتكلم في اللي حصلي..
- تمام.. ياللا نقوم؟
• أوك..
.. لا أدري ما الذي دفعني لقول ذلك.. لقد شعرت بإرتياح تجاهه..
لقد أحسست برغبة في أن أحدثه عن ما يحدث لي.. وذلك أخافني..
لم ينطق بكلمة واحدة طوال الطريق..
ولم أظهر أنني أهتم بصمته..

- أيوة هنا..

أوقف السيارة.. دفعت حسابي، وخرجت منها..
لم ينظر إليّ ..

________________________

- عمتك زعلتك في اليومين دول؟
• لأ.. المهم قولي إنت عملت ايه... هفهمك كل حاجة، بس هاتي حاجتك، وياللا الأول..
- طب والمفاجأة..؟
• لما ننزل..

• العربية!!!

- أيوة.. ها بقى تحبي تتعشي فين؟
• بجد!! هتخرجني دلوقتي
- أيوة .. مش كنت واعدك ..
• عادل... أنا حاسه ان فيه حاجة مضايقاك! ...
شرع عادل في البكاء، أسند على السيارة، ونظر إلى السماء.. اقتربت ريم منه في صمت، وطبقت على ذراعه،
- معلش يا عادل، ربنا هيعدلها.. أنا عارفة إني كمان حمل عليك، وان مش ذنبك كل اللي ...
• متقوليش كدا.. إنتي مسئولة مني.. هو انا مش راجل ولا ايه! .. أقسم بالله ما هخليكي محتاجة حاجة.. 

وبكرة يشوفوا اني مش محتاج لخلقتهم في حاجة..
إوعي أسمعك بتقولي كده تاني! .. أبوكي الله يرحمه، موصانيش على حد غيرك.. وهتفضلي في رقبتي لحد ما أموت.. حتى لما تتجوزي..
- ربنا ما يحرمنيش منك يا عادل.. أنا ماليش حد غيرك..
• هنقلبها نكد بقا... ياللا اركبي يا برنسيسة أنا مجوع نفسي من الصبح عشان آكل معاكي..
- طب هنبات فين!
• مفاجأة برده... ياللا اركبي..
______________________________________________

- لازم تيجي بكرة يا نجلاء، الامتحان ده عليه 10% من المادة
• أنا تعبانة يا نهى، مش هقدر آجي..
- مينفعش.. لازم تيجي.. أنا بالصدفة عرفت ان عندك امتحان وقلت لازم أبلغك مادام مش بتيجي..
• هحاول..
- مالك بقا؟
• مفيش.. شوية تعب عاديين..
- نجلاء .. إوعي تكوني عملتيها تاني..!
• .. أيوة
- لا حول ولا قوة الا بالله!! .. انتي اتجننتي يا بنتي، ....
• ....
- أنا آسفة.. بصي حاولي تنامي وترتاحي انتي، وانا بكرة الصبح هعدي عليكي.. ونروح سوا أنا معنديش محاضرات بكره.. 

وهستناكي وأروّحك تاني. اتفقنا؟
• ماشي.. هشوفك الصبح..
لقد كانت نهى أول صديقة أحظى بها منذ وطأت قدمي هذه الكلية المشئومة.. كانت تتفهمني جيدا في أغلب الأوقات.. 

وتتفهم مرضي.. لم تستخف لحظة بما أعانيه..
لكن حظي لم يكن كافيا كي أحتفظ بها للأبد..
منذ بداية العام الدراسي، ونحن لا نرى بعضنا البعض.. عاما دراسيا يفصل بيننا..
حاولت النوم، لكن عيني كانت مفتوحة، لا أرى شيئا.. لكنني لا أستطيع أن أغلقهما.. لا يرف لي جفنا.. ولا أبك..
ظللت مستيقظة حتى الصباح، أوزع نظرات فارغة في أرجاء الغرفة..
فتحت دولابي .. لأنتقي شيئا..
الأسود مجددا يملأ الخزانة..
تذكرت مشاكسة عادل يوم قال لي.. "البقاء لله"
ابتسمت عند تذكره..
هل سأراه اليوم؟؟ ...
_______________________________________
- وانت لسه فاكر يا عم محمد!!
• معلش يا عادل والله كنت ناسي أصلا، وافتكرت الصبح!
- طيب.. هاجي على الامتحان عشان عندي شغل..
• انت عملت ايه صحيح في موضوع الشقة؟
- لما أشوفك هبقى أحكيلك كل حاجة.. بس قولي انت مذاكر؟
• ولا فتحت كتاب يا صاحبي.. عيب عليك
- طيب يا فقر.. بقولك صحيح... ولا خلاص..
• اشطه.. أشوفك بقا ومتتأخرش..
- ربنا يسهل..
(يا ترى هشوفها!!؟) 


#تُتبع .. 

تعليقات

  1. هتكمليها امتى��

    ردحذف
  2. Can't wait to the second part������

    ردحذف
  3. هي القصه دي مش هتكمل بقى

    ردحذف
  4. في أمل تكمل ولا هي مكتوب عليها تفضل كدة؟😅

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جزء مفقود في الترجمة

Black Mirror - New written episode.

مبقاش سر