مبقاش سر





مين فينا يقدر يستغنى عن التكنولوجيا واللي بتقدمه لينا؟
محدش، تقريبا.. فيلسوف معاصر قال: "التكنولوجيا هي السلاح الذي صنعته الإنسانية لمحاربة نفسها" .. ده أهبل؟ كل اللي علقوا على رأيه، اتهموه بالتخلف، والنقم، وإنه مش مقدر فوائد التكنولوجيا الكتير، بداية من إنقاذ الأرواح، لحد السفر لكواكب تانية!
بس حكايتي مع التكنولوجيا، كانت متفقة مع رأيه تماما.. حكاية صغيرة.. بعيدا عن أي شئ ممكن يصبح قضية رأي عام.. والناس تتفاعل معاه..
حاجة مش ملحوظة، لإننا كلنا بنعملها.. أنا بطلت أخرج من البيت.. أنا وحيد، بسبب التكنولوجيا..
من 4 سنين كانت حياتي مختلفة تماما، كان اصحابي 6 بنتقابل كل أجازة أسبوع، بنشوي.. وبنخرج سفاري، بنحكي لبعض عن حياتنا، بنتسابق، بنعمل مباراة كرة قدم، كانت البنت اللي بحبها زميلتي في الشغل.. صباح الخير بالنسبالي لما كنت بشوف ضحكتها كل يوم، كنت بتوه في تفاصيلها لدرجة إني بحس إن كل حاجة بتمشي بالحركة البطيئة..
عندها غمازة في خدها الشمال، عينيها واسعين، ولونهم زي لون العسل.. شعرها كان مموج، ودايما طويل، لما كانت الشمس بتطلع على مكتبها وتقف على وشها، كانت بتضايق، بس ده كان وقت الراحة بتاعي.. كنت بحب أشوفها وهي بتضوّي.. مستحيل يكون فيه إنسان تاني زيها بالمثالية دي!
مرة وحيدة قدرت أقولها فيها إن لون الروج الأحمر اللي بتحطه بيليق عليها، من ساعتها مش بتغيره.. لما بتضحك، ضحكتها بتبقى جبارة.. بتدوّب قلبي فعلا..
لما عرفت إنها بتقوم بأعمال خيرية، بقيت أروح.. كانت حياتي مليانة، مش ناقصها ولا حاجة..
كل الناس كانوا اصحابي، ومعارفي، كل يوم مليان لدرجة إني لما بروّح بغرق في النوم فورا..
كل ده انتهى لما الشركة قررت تستغنى عن خدماتي أنا وتلت اللي شغالين فيها.. بسبب التكنولوجيا، والتطور اللي حصل، كومبيوتر واحد ممكن يقوم بدور 4 مننا..
آلة واحدة في مصنع ممكن تغني عن 50 عامل.
ده الوجه القبيح للتكنولوجيا.. بس مش الأقبح..
مالقتش صعوبة في إني أشتغل مرة تانية.. بس مكنتش عارف فداحة الأمر غير متأخر.. اشتغلت عن طريق الانترنت.. من البيت، بعد سنة، كنت حاسس إن رفدي من الشركة أحسن حاجة حصلتلي في حياتي..
قدرت أضاعف مكسبي ودخلي، 3 أضعاف ما كنت في الشركة.. وأنا مش بخرج من مكاني.. الموضوع مش مُقلق، ولا ممكن تلاحظه بسهولة، مش سهل تعرف فين الغلط في ده..
حياتي فعلا بالنسبالي، كانت أريح ما يكون.. كنت طول اليوم بشتغل وبجري ورا ربح أكبر، وكنت بوصله، مكانش عندي احساس بالوقت، التلفزيون جنبي شغال، تقريبا هو ده خروجتي.. هو ده منفذي للعالم.. الأكل بيوصلني دليفري، مش مُضطر حتى إني أفتح الباب وأقابل رجل التوصيل، كده كده بدفع أونلاين.. وهو بيدخله من فتحة في الباب، وشكرا..
من زمان مخرجتش الكلبة بتاعتي.. بس مشغلها طول اليوم برامج مخصصة للكلاب، ويبدو انها مستمتعة.. البقالة والشوبينج، عن طريق الانترنت..
كانت حياة مثالية، لحد كسول.. كل احتياجاتي بقدر أحصل عليها وأنا قاعد مكاني.. كل احتياجاتي حرفيا.. أيوة.. حتى اللي انت فكرت فيه..
بس كان لازم حاجة تفوقني.. ومكنتش أتمنى أبدا إن الحاجة دي تكون موت الكلبة بتاعتي.. كل ما أفتكر إنها يوم ما تعبت، بحثت على النت بالأعراض اللي عندها، عشان أشوف مالها، وبعدين استشرت طبيب بيطري، برده من على النت..!
لحد ما قطعت النفس تماما..
استغرقت نص ساعة تقريبا، وأنا بدور وبتصل بطبيب بيطري، كنت ببصلها، وهي كانت بتبصلي بلوم ويأس..
30 دقيقة، أقرب دكتور بيطري من البيت على بعد 12 دقيقة..
احتمال انها كانت تعيش، وإني ألحقها، كان أكبر بكتير لو كنت اتصرفت التصرف الطبيعي، وأخدتها وخرجت.. بس كنت هلاقي عربيتي المركونة بقالها 3 سنين، غضبانة عليا وما بتشتغلش، واطاراتها منفجرة.. ده اللي عرفته بعد ما خرجت بالكلبة، عشان أدفنها..
مين الراجل ده؟ .. دقني طولت جدا، وشكلي متغير.
"أكيد جالها اكتئاب"
أنا السبب إنها ماتت!؟
كل اللي كنت عاوز أسمعه إني مكنتش هقدر أعمل حاجة، بس الطبيب البيطري، قالي عكس ده.. إزاي تقعد طول الفترة دي محبوسة!
بأعترف إني غلطت في حقها.. وفي حق نفسي..
كل اللي فاكره إني من 4 سنين.. قعدت على الكرسي ده، قدام شاشة الكومبيوتر ده.. ومن وقتها ما قومتش!
حياتي اتسرقت مني.. كنت محقق أرقام خيالية على كل مواقع التواصل الاجتماعي، كنت بسجل فيديوهات تعليمية، وبقوم بشرح دروس أونلاين، وكنت بكتب محتوى، وبدرس..
كان عندي عدد كبير من الناس اللي بتتابعني، واللي بكلمهم كل يوم..
عدد أكبر من اللي ممكن في الواقع انه يبقى ممكن!
محدش فيهم كان موجود لما الكلبة بتاعتي ماتت..
كلهم كتبوا بوستات، وبعتولي رسايل، بيواسوني فيها..
بس محدش خبط على الباب بتاعي.. ودخل قعد معايا، وسألني حاسس بإيه!
محدش بص في عيني.. وقالي إنه آسف، عشان حياتي مجرد كذبة كبيرة..
اصحابي فين؟
افتكرت إني كنت برفض أخرج معاهم، وكنت بكتفي بفيديو شات يوم خروجهم سوا، كأني معاهم..
افتكرت لما البنت اللي بحبها طلبت إنها تعزمني على قهوة بعد ما مشيت من الشغل، وأنا رفضت عشان كنت حاسس إني مش هعرف أتكلم معاها..
بس فضلت 3 ساعات أكلمها في شات..
وفضلت طول الاسبوع اللي بعده أكلمها 24 ساعة.. كانت بترد عليا، قلتلها مشاعري كاملة، رغم اني معاها بقالي كتير في الشغل ومقدرتش أنطق.. كان الموضوع أسهل بكتير وأنا بكتبه.. وبضغط على Send
بس هي كانت حقيقية، وقالتلي إنها محتاجة علاقة حقيقية.. وأنا سكتت.. للأبد..
لما دروت عليهم..
خرجت، وصلحت عربيتي.. ورحت عنوان واحد صاحبي..
لقيت كل الشلة هناك، وكان معاهم زوجاتهم..
كانوا عاملين حفلة شواء.. ومجتمعين وبيحتفلوا.. معرفش بإيه!
كانوا بيبصولي باستغراب.. أنا مش مُرحب بيا هنا..
حتى شلة الاصحاب تطورت.. وكبرت.. والأكيد إن مكانش مكاني بينهم لسه محفوظ..
خرجت.. وقدرت أوصل لعنوانها..
أنا عارف إنها مش هتكون مستنياني!
أكيد يعني!!
كانت ساكنة في حي راقي! .. رحت وخبطت على الباب، فتحتلي.. نظراتها كانت بتقول إنها أخدت شوية وقت في الأول عشان تفتكرني، بعدها ضحكت، وكانت منتظرة مني أشرحلها أنا بعمل إيه هنا؟ بعد 4 سنين؟
كل اللي كنت عاوز أقوله لها، إنها جميلة، وإن كل اللي محتاجة في الوقت ده، لو تشرب معايا فنجان قهوة، وأقدر أقولها أي حاجة.. وأتكلم معاها..
بس خرج راجل من ورا الباب.. ولف إيده على وسطها.. وقالها: "مين يا حبي؟"
طبعا.. أنا إزاي فكرت بسذاجة إن فيه حاجة لسه زي ما كانت!؟
بصتله، ولبست النضارة الشمس.. وقلتله آسف، غلطت في العنوان..
لفيت وكنت متجه ناحية عربيتي، وكنت شايف على الإزاز إنعكاس صورتهم، وهم واقفين، كان بيغازلها، وقبل ما يدخلوا ظهر طفل صغير شالته على كتفها وباسته..
رجعت البيت، والغضب كان ماليني..
ايه اللي أنا عملته في حياتي ده!؟
قربت على سن الأربعين، معنديش عيلة، ولا اصحاب، ولا علاقة واحدة طبيعية بإنسان واحد!!
كل اللي عندي كان شوية فلوس في البنك..
استثماري في حياتي، كان مجرد شوية ورق في البنك..
حتى الحاجة الوحيدة اللي مكانتش بتحسسني إني لوحدي. . سابتني.. وأنا السبب..
قطع ضجيج أفكاري صوت رسالة وصلتني على موقع من المواقع اللي فاتحها..
محستش بنفسي غير وأنا بكسر كل حاجة..
حولت المكان لفوضى..
عورت إيدي..
ونفضت غضبي من جوايا فيهم..
حلقت دقني.. وكنت مستغرب شكلي..
دقني كانت مخبية التجاعيد اللي انتشرت في وشي.. أنا كبرت!
للأسف أول خروج ليا تاني، كان لدكتور نفسي.. كنت محتاج المساعدة فعلا.. ومن بين كل الاقتراحات اللي اقترحها..
كان السفر أنسب حاجة ممكن تبعدني، وتعالجني..
اخترت وجهة مش هيبقى فيها انترنت، ولا موبايل، ولا تليفزيون، ولا كاميرات، ولا أي حاجة ولدتها التكنولوجيا..
حتى مكانش موجود في المكان اللي هروحه عربيات..
كنت حاسس إني مُدمن، وده كان علاجي..
وبرده زي أي مدمن أول أيام كانت الأصعب، مكنتش قادر أتكيف من غير ما أقول للناس أنا فين، وبعمل إيه، وأراقب رد فعلهم..
مكنتش قادر أغامر، وأشوف أماكن جديدة، وأحس بالسعادة دي كلها، ومش قادر أصورها، ولا أنزل الصور، وآخد الكريديت من الناس..
كنت هأنهي رحلتي.. وهرجع.. لولا إني قابلت أغرب بنت قابلتها في حياتي..
قابلتها في حفلة على الشط لاتنين اتقابلوا في المكان ده وقرروا يتجوزوا فيه..
كانت حقيقية جدا... بتضحك من قلبها.. شعرها اسود طويل، عينيها بيلمعوا مع الضوء اللي طالع من الشعلات النارية المنتشرة على الشط..
كان على راسها تاج من الورد الأبيض.. ملامحها كانت نارية..
مكانتش حاطة مكياج..
كانت لابسه فستان أبيض طويل..
ومن كتر بساطتها وجمالها، خدت قلبي من أول ما شوفتها..
فجأة كل الحضور سكتوا.. واتجمعوا، وهي ضحكتلهم، ووقفت قدامهم.. وبدأت تغني..
مكانش فيه موسيقى، بس صوت البحر كان منسجم مع صوتها جدا..
وقلبي كان بيعمل مزيكا خاصة كل ما بالغلط تبصلي وهي بتغني..
..
بعد ما خلصت، فرقة من الأفارقة بالطبول بدأوا يعزفوا، والناس ابتدت ترقص.. بس هي راحت على البحر.. وفضلت بصاله، كأنها بتشكره عشان كان بيعزفلها..
إزاي حد زيها، مش بيتباهى بصوته، ومش مشهورة!
إزاي حد بالجمال ده، مش مهتم يصور نفسه، ويعرف الناس عن شكل حياته!؟
إزاي حد يبقى حقيقي بالدرجة اللي تخليه عارف إنه مميز، ومع ذلك مش بيتاجر بده!
كان لازم ألاقي رد على أسئلتي، ولو لقيت.. هأجل سفري، ورجوعي..
من زمان ما رحتش كلمت بنت، وفتحت معاها موضوع! ..
مش عارف أعمل ده دلوقتي.. بس كنت قريب منها، ومش شايل عيني من عليها.. ولما لفت شافتني.. وضحكتلي، وقربت مني، وسلمت عليا، بمنتهى البساطة!
بدأت كلام معايا... والكلام ما انتهاش طول الليل..
والأيام اللي بعدها.. كل يوم.. مقدرتش أبعد عنها.. كإني تلميذ، وبأتعلم لسه حاجة بحبها.. كان عندي كل الفضول اللي في الدنيا.. تجاهها، وتجاه حياتها..
كنت عاوز أكون قادر أنخرط مع العالم، ومع الطبيعة، ومع الناس بنفس الدرجة اللي هي منخرطة معاهم بيها..
ونجحت في ده.. بقالي 9 شهور، من غير أي وسيلة اتصال الكترونية..
فضلت عايش عادي!
بل اكتشفت ان الحياة كده أفضل..
بكرة، على البحر هيكون فيه احتفال.. في نفس المكان اللي اتقابلت معاها فيه لأول مرة.. وهطلب ايديها.. لو كنت محظوظ كفاية، هتكون دي بداية فصل جديد من حياتي.. فصل هكون فيه أكتر انسان محظوظ وسعيد في الدنيا، بس أيا كانت النتيجة.. أنا فعلا محظوظ.. وحقيقي أكتر من أي وقت فات.. أنا خفيت.. وحاسس إني أخيرا قمت من مكاني، وكسرت الدايرة..
*خطاب مُرسل إلى إحدى الجرائد الكبيرة، إهداء لكل شخص لا زال لم يخرج من تلك الدائرة المُفرغة*
Get a life.

تعليقات

  1. Online Casino Games in Ghana - Karangpintar
    Play slots 카지노사이트 at Karangpintar's online kadangpintar casino! Games · Roulette · Poker · Basketball 제왕카지노 · Casino.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جزء مفقود في الترجمة

Black Mirror - New written episode.