نوم عميق - أسماء عبد الناصر


بعد الحادثة اللي عملتها من سنة حياتي إتغيرت، كإنها شريط وبيتعاد، هتعمل إيه لو مكاني؟ لو إكتشفت إن حياتك مش حقيقية؟ إنها حرفياً زي أسطوانة بتلف، وبترجع تقف عند نفس المكان!؟

كان عندي وقت الحادثة 24 سنة، وكان بقالي 6 شهور في شغلي، مستحملاه بس عشان مزاياه كويس، مرتب كويس، تأمين، برستيج.. لكن لو هتسألني شكل الحياة اللي كنت عاوزاها فهقولك أتمنى لو كان عندي الإختيار أكون حُرة.. أروح أي مكان، في أي وقت، من غير ما أعمل حساب لحاجة.. قررت فعلاً أستقيل، لكني قابلت في نفس اليوم حب حياتي..
كان منقول جديد من فرع تاني لفرع الشركة معانا، كان لطيف أوي معايا، وكان بيبصلي زي الطفل ما بيبص للألعاب النارية في السما..
كملت سنة في الشغل بسبب وجوده فيه.. ووقتها طلب مني الجواز، ووافقت.. جهزنا شقتنا زي ما بنحلم بيها، خططنا هنروح فين فيي شهر العسل، اتكلمنا عن مستقبلنا في الشغل، وإزاي عاوزين نغير حياتنا سوا.. كان الشريك المثالي، لكن الجانب السئ كان هو حظنا.
كنا مضغوطين، ومطبقين في الشغل، وإتخانقنا مع بعض، وقررت أمشي وأسيبه، كان خلاص يوم جمعة وأجازة..
لكنه أصر يوصلني.. الطريق للبيت كان طويل، وهو كمان كان بيحاول يطوّل الوقت عشان يمكن حد فينا يتكلم ونتصالح، لكني وفرت عليه وقلتله إني هنام، وأعوض اليومين اللي فاتوا..
نمت فعلاً من التعب جنبه، وهو كان سايق، تعبان زيي ويمكن أكتر، مضغوط، ومضايق بسبب خصامنا...
كانت أخر مرة أشوفه فيها، لكني سمعت وعرفت اللي حصل.
نام وهو سايق، عملنا حادثة، ونجينا منها بأعجوبة، لكن الفرق إن هو صحي، كمل حياته، مش عارفة كملها إزاي!
وأنا لسه نايمة، في غيبوبة من يوم الحادثة.. بس لو عاوزين تعرفوا حياتي بقت عاملة ازاي.. لازم تنسوا أي حاجة تعرفوها عن الواقع..
أيوة بنسمعكم، أيوة بنحس، لكن الموضوع بياخد وقت..
بياخد وقت مننا عشان نفهم إحنا فين، وليه الحياة كلها كأنها متعادة.
أول صوت سمعته بعد شهور، الصوت اللي عرفني، كان صوتي أنا..
يوم عادي خرجت فيه من شغلي.. يوم عادي بكرره، قبل ما أشوفه أو أعرفه، أو نعمل الحادثة.. راكبة مواصلات ومروحة البيت..
ببص من الشباك.. كان فيه قطر معدّي.. المسافة بين الطريقين قريبة.. قريبة لدرجة إني قادرة أشوف الناس جواه.. ومن بين الناس اللي شفتهم، شفتني.. شفت نفسي.

وقتها مقدرتش أستوعب، بقيت هتجنن وأعرف مين دي؟ خبطت على الشباك زي المجنونة، عشان هي تبصلي، الغريبة إن محدش من اللي حواليا كان مستغرب، ولا كإنهم سامعني!
أنا بحلم؟ سألت نفسي..
لكنها في اللحظة دي بصتلي.. ابتسمت، وقالتلي (فوقي)..
بصيت قدامي.. كان فيه عربية نقل كبيرة جاية قدام الميكروباص!
العربية إتقلبت، فجأة كل حاجة اتغيرت حواليا.. زي ما بتتغير في الحلم،
أنا معاه، في عربيته، شايفة نفسي، وأنا غرقانة في دمي، شايفاه وهو بيخرج بسرعة من العربية، شايفاه بيبعد.. محاولش حتى يخرجني..
ده شكله كابوس.. لكنه كان حقيقي جدا.   وعرفني إن بعد الحادثة، جسمي مكانش فيه أي مؤشر للحياة لو شالوا الأجهزة، لكن دماغي كان لسه عايش. حلم جوه حلم..  بأقول نفس الكلام، و الناس ترد بنفس الردود.. لكن صوتي وأنا بقول لنفسي: فوقي  خلاني أعرف إني مش مفروض أكون هنا.

***
حاولت أغيّر من السيناريو اللي بيحصل كل يوم، حاولت أقول كلام ما اتعودتش أقوله للناس، بقيت عدائية، لكنهم مكانوش بيردوا.. كانوا أشبه بعرايس شمع، بيبتسموا من غير أي رد فعل تاني.. عقلي بيديهم أدوار هم فعلا لعبوها قبل كده في حياتي.. كل اللي بشوفه ذكرياتي عنهم، لكن اللي محصلش في الحقيقة، واللي مقالوهوش قبل كده، ما يقدروش يقولوه دلوقتي. فضلت مستنية أي إشارة... واستسلمت، فضلت أكرر نفس اليوم، واليوم أبدي.. لكن النهاردة، النهاردة صاحبتي كانت مختلفة، كنا في بريك الشغل، عارفة إنها هتحكيلي عن جارها اللي متقدم لها، حافظة صم اللي هتقوله لكنها قربت مني وعدلتني عشان أبصلها، كانت غريبة ومختلفة، زي ما تكون حقيقية جوه الحلم الوهمي!
قالتلي: اصحي، ما تستسلميش، أنا هفضل معاكي، وجنبك 
قالت إنهم قربوا يفقدوا الأمل فيا، وقالتلي أديها أي إشارة لو أنا سامعاها..
إزاي ممكن تبعت إشارة لحد وإنت بتحلم، وهو صاحي؟ صوت جهاز القلب إداني فكرة!
بيقولوا لو مُت في الحلم، بتصحى.. معرفش لو مت دلوقتي إيه اللي هيحصل. لكني كنت بحاول أخليها تعرف إني سمعتها، بحاول أخليها تساعدني!

بصيت ليها، وبعدين للشباك، وقررت أنط منه!
هأخسر إيه؟
نطيت... ولقيتني فجأة على سريري!
في بداية الدايرة،يوم جديد، هعيده بصبر.. بس على الأقل أنا نجحت، وهي فهمتني!  لحسن الحظ إن ضربات قلبي زادت بطريقة كبيرة لما نطيت..
ساعتها صاحبتي اتوسلت ليهم إنهم ما يفقدوش الأمل فيا..
الشغل كان بيضغط على أمي عشان يشيلوا الأجهزة، لإني متأمن عليا بس المصاريف كانت كبيرة!
وفي وسط كل ده من يوم ما عرفت حقيقة حياتي الجديدة وأنا نفسي أعرف هو راح فين!
ليه سابني، ليه مفكرش يزورني ولا مرة!
بس صاحبتي عرفتني.. قالتلي إنه إتجوز خلاص! بعد 3 شهور من الحادثة
وقالتلي إن أمي بتقرالي قرآن، بتيجي كل يوم، وتروّح في نهايته. عرفتني كل اللي بيحصل.
 أنا دلوقتي مجرد جسم على سرير في مستشفى، حب حياتي خسرته! شغلي خسرته، ماليش حد غير أمي، وصاحبتي اللي مسابونيش!
لكن رغم حبهم.. مكانش ده كفاية عشان أستعيد وعيي مرة تانية!

وحشتني حياتي، كان نفسي أرجع بس معرفش إزاي!
كسرت الحلقة، زمان اتمنيت لو عندي حرية الإختيار.. ودلوقتي بقيت حرة. في الحلم ممكن أعمل أي حاجة، ممكن أبقى أي حاجة، وأروح لكل مكان.
بقيت بعمل كل حاجة نفسي أعملها. العالم كان زي ما هو.. الناس كانوا زي ما هم.. لكن أنا، أنا كنت بأتغير..

صاحبتي قالت إن خلاص ده أخر يوم.. وإن رغم محاولاتها إلا إنهم لازم يشيلوا الأجهزة..
عمرك سألت نفسك، لو ده أخر يوم في حياتك هتعمل فيه إيه؟
أنا كنت عارفة، كان نفسي أطير.. فضلت طول اليوم باصة للسما.. براقب الطيور..  
وفي نفس اللحظة اللي عارفة إنها النهاية.. قررت أطلع على سطح أعلى مبنى في المدينة.. كانت السما أقرب، والطيور اقرب،  دلوقتي هحقق حلم أخير.. هأطير زيهم.

غمضت عيني واستسلمت.. مفيش حاجة تاني ممكن أخسرها. قبل ما أوصل للأرض، قبل ما أصطدم بيها، معرفش إيه اللي حصل، لكني فتحت! لقيتهم حواليا.. أنا في المستشفى.. أنا صحيت!

...

بعد أيام..

مش كل الناس بتكون محظوظة بفرصة تانية، لكني كنت محظوظة، رحت الشغل وشكرتهم على رعايتهم ليا، ولما عرضوا إني أرجع مرة تانية اعتذرت.. أنا لازم أعيش الحياة زي ما أنا حاباها، لازم ما أضيعهاش المرة دي وأنا عاصرة على نفسي لمونة!

وأنا خارجة شفته، ابتسمتله، مكنتش حاسة بحقد ناحيته، بالعكس، مكنتش حاسة بأي حاجة إطلاقاً.. الحب مش كفاية عشان تربط نفسك بإنسان تاني.
كان مكسوف، وكان مصدوم إنه شايفني.. لكن مش مهم..

بعد أسبوع فرح صاحبتي، مُنقذتي.. بعده هسافر عشان أحقق أحلامي.. هروح كل الأماكن اللي نفسي فيها.. وهأبتدي من جديد..
نهاية الحلم، بداية حياة جديدة.. والمرة دي هعيشها صح.

وإنتوا بقا؟ عايشين حلمكم؟ ولا بتحلموا تعيشوا؟


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جزء مفقود في الترجمة

Black Mirror - New written episode.

مبقاش سر