إشارات مميتة - Signals


كانت كل حاجة تمام، كلنا قاعدين على السفرة، أنا وبابا، وأخويا، ماما كانت بتجيب أخر طبق عشان تحطه ونبدأ أكل، كان ورايا بلكونة، وماما جاية من المطبخ قصادي، بتبصلي، رفعت عينيها كإنها بتبص على حاجة تانية ورايا، نظرات عينيها اختلفت، اتملت برعب، الطبق اللي كان في إيدها وقع على الأرض، بصتلنا، وكنا مستغربين، مكانتش سامعانا، مشيت ناحية الباب كأنها منومة!
قمنا وراها، لقيناها بتنزل بابا لحقها، خرجت وفتحت بوابة البيت، وقفت في نص الطريق اللي كان جاي فيه عربية بسرعة رهيبة!

أخر حاجة فاكراها، نظرة عينيها كانت باصالي، وبتضحك.. وغمضت في أخر لحظة، لحظة الاصطدام..

أنا وأبويا، وأخويا، مفهمناش اللي حصل، ما عرفناش ليه؟
مرينا بأزمة كبيرة بعد موتها، السفرة اللي كنا بنتجمع عليها كل يوم، مبقاش حد بيقربلها. مبقيناش نتكلم سوا.. مش عارفين حتى أخبار بعض، غير لو بابا هو اللي جمعنا وسأل..

عدت شهور مخرجتش فيها من البيت، رغم إنه بقى أسوأ مكان في العالم ممكن يفكرني بأبشع حاجة حصلت في حياتي.. بس مكنتش قادرة أخرج الشارع، وأعدي الطريق، كنت دايماً بفتكرها، وبفتكر نظراتها.

لكن النهاردة، النهاردة حصلت أغرب حاجة ممكن تحصل
شفت اللي هي شافته، وطلب مني نفس اللي طلبه منها.
ووافقت من غير تفكير، لإن التمن اللي هندفعه لو ما حصلش ده، هيكون مؤلم أكتر من الموت نفسه. 
شفته واقف ورا أخويا، كتلة من الظلام ضخم، وشكله مخيف، ما اتكلمش معايا، لكني فهمت اللي عايزه، كنت حاساه جوه دماغي، بيتحكم فيا، كان عايزني أقتل نفسي. وإلا هيعذبني بموت أقرب حد ليا.. 
دلوقتي فهمت هي عملت كده ليه، فهمت إنها ضحت عشاني.. 
أخويا نده عليا، سألني بأبكي ليه، سبته ودخلت أوضتي، بعد نص ساعة كنت واقفة على كرسي، ورقبتي محاوطها حبل متين مربوط في السقف..

ما أخدتش وقت في التفكير، وعملتها..

**

بعد 3 أيام صحيت ولقيتهم حواليا، أبويا، وأخويا. ما مُتش.. لسبب ما كان مكتوبلي أعيش، يوم الخروج من المستشفى، شفت على التلفزيون تقرير غريب!

كل مكان في البلد زادت فيه معدلات الانتحار، اللي أنا طبعاً كنت واحدة منهم! وأمي راحت ضحية لسر غريب محدش اتكلم عنه.

حاولت أقولهم على اللي شفته، بس مكانوش هيصدقوني، في اللحظة دي أنا كمان مش عارفة لو كنت اللي شفته حقيقي ولا كان مجرد خيال.

بالليل في أوضتي، قررت أعرف السر، قررت أتكلم مع ناس تانية ممكن يكونوا مروا بنفس اللي مريت بيه، ناس عاشت، رغم إنهم حاولوا ينفذه أوامره.

عملت غرفة شات، والعجيب بعد ساعة واحدة، وصلتني رسايل كتير، ناس في مختلف الأعمار بتقولي إن نفس اللي حصلي حصل معاهم، وإنهم شافوه. 
كنا جروب كامل ما صدق إن فيه حد صدقه، وإن فيه حد شبهه.
كان صعب نوصف للي حوالينا اللي احنا شفناه، وحاسين بيه دلوقتي من خوف، وألم. 
كان غريب إن فيه شخص بيننا، ما شاركش برأيه، مكانش بيتكلم معانا لكنه كان بيقرأ كل رسايلنا بس.
حاولت أتكلم معاه لوحده، وفتحت الشات بيني وبينه

سألته: ليه مش بتشارك باللي حصل معاك، احنا بنحاول نفهم عشان نلاقي حل ونقدر نوصل صوتنا 

بعتلي صورة..

صورة الظلام اللي شفناه..
وبعتلي قالي: انتي عملتي غلطة كبيرة 

 قلبي نبضه زاد، كنت خايفة أبص ورايا، كنت حاسه بيه موجود.. سامعه صوت أفكاره في دماغي

لفيت بالكرسي اللي كنت قاعدة عليه، ولقيته.

بس المرادي مكانش عاوزني أقتل نفسي!
كان عاوزني ألاقيه

حاولت أتمالك أعصابي وأسأل، وأعرف ده مين!
لكنه اختفى... لكن كان سايب أفكاره جوه راسي، كان عندي رغبة مُلحة إني أخرج، لمكان محدد، ما أفتكرش إني رحت قبل كده، لكني عارفة إنه عاوزني أروح. 
أخدت عربية بابا، من حسن الحظ إنه كان مشغول في تصليحات في البيت، وفضلت سايقة مسافة طويلة بعيد عن المدينة، لحد ما وصلت لمكان غريب.. كان أشبه بمؤسسة أو شركة كبيرة، فيها أبراج إرسال كبيرة. .

موبايلي كان بيصدر اهتزازات غريبة، خرجته من جيبي، وكان فيه تشويش هايل على الشاشة بتاعته.

كل ما كنت بقرب للمكان، كل ما كان التشويش يزيد، وصوت غريب بيصدره الموبايل.. لحد ما الموبايل انفجر، وشاشته اسودت.

فضلت ماشية بخطوات بطيئة ناحية البوابة، مش عارفة هعمل إيه ولا إيه الغرض من وجودي هنا..

 لكن حصلت حاجة غريبة في العربية، بدأ صوت الاتجاهات يشتغل، الراديو كان شغال، والصوت بيعلى!

والمحرك اشتغل...
قربت بحذر منها، فتحت الباب، ولقيت إتصال على العربية من رقم غريب

رديت، كان صوت راجل، بيقولي: كنت عارف إنك جاية 

سألته: إنت مين؟ وايه اللي بيحصل؟ 

قالي: أنا قدامي دقيقتين، لو فهمتي اللي هقوله ليكي، أرجوكي تنفذي اللي هطلبه منك 

سألته مرة تانية: إنت مين وازاي وصلتلي، وازاي قدرت تتحكم فيا؟ 

رد: المكان ده هو القنبلة اللي العالم كان بيحضرها طول 10 سنين عشان يدمر نفسه، البشرية في تزايد، والموارد بتقل، فكان لازم حل، والحل ده إننا نقلل عدد السكان، نقلل عدد البشر المُستهلكين، في البداية البرنامج كان هدفه إنه يصنف البشر لفئات، وعلى الأساس ده كان هيتم توزيع الموارد، بحيث الفئات اللي بتنتج أكتر يكون نصيبها أكبر، والفئات اللي بتستهلك أكتر من انتاجها، يتقنن استهلاكها، لكن الحكومة طورت البرنامج، بقى هدفها هو انها تقضي على الشريحة اللي وجودها مش في صالح المجتمع.. 

قاطعته/ وأمي؟ أمي ذنبها إيه؟ وكل الناس اللي حاولت تقتل نفسها!؟ ده جنون

فكمّل: محدش ليه ذنب، مش ده اللي أنا كنت عاوزه لما عملت البرنامج، أرجوكي اسمعيني مفيش وقت.. أنا محبوس هنا، كان كل غرضي اني أطوّر ارسال اشارات تشبه شبكة الموبايل، كان الفكرة منها إننا نقدر نحدد العدد الحقيقي للسكان، والموارد اللي تحت الأرض، والبرنامج كان علشان نقدر نوفق بين استهلاكنا، وعددنا اللي بيزيد..
لكن في المرحلة الأخيرة، جابوا واحد تاني، عدّل على البرنامج، وخلى الإشارات تكون أقوى من معدلها الطبيعي بـ 100 مرة.
وده اللي بيأثر على الجهاز العصبي للإنسان، وده اللي خلاكي تحسي إني مُتحكم فيكي..  

كنت مصدومة وأنا بسمعه:
*مش مصدقة، ليه؟ طب إزاي كل ده بيحصل.؟ ليه بتعمل كده؟*

قالي: أنا محبوس هنا عشان حاولت أمنعهم، اكتشفت ثغرة في البرنامج، ثغرة ممكن تخلي العالم كله يتغير للأحسن.. لكنها هتكلف كتير.. أمي كانت من ضمن اللي البرنامج اختارهم عشوائياً.. تماماً زي والدتك..
لكني قدرت أوقف كل حاجة، وقدرت أكون معاها وأمنعها، أنا ما صدقت لقيت حد ممكن أثق فيه، أنا بطلب منك تكملي حاجة أنا مقدرتش أعملها، فيه عنوان، هتكوني عارفاه كويس.. هتلاقي هناك أمي، هتلاقيها مستنياني عشان أخدها ونبعد لمكان آمن.. بس الوقت متأخر..

هتلاقي معاها كل الأدلة اللي ممكن تحتاجيها، إنتي حركتي ناس كتير عانوا من البرنامج، لمدة 3 أيام مش هتحصل حادثة انتحار واحدة، دي فرصتك إنك توقفي كل حاجة للأبد.. وتصلحي اللي أنا عملته. 

*مش هقدر، مش .. مش هعرف! أنا مش مستوعبة!*

إنتي عملتي غلطة كبيرة، وهي إنك حاولتي تعرفي.. بس أديكي عرفتي، والمسئولية دلوقتي عليكي.. 

وقفت المكالمة.. البوابة كانت بتتفتح وفيه 4 أفراد خارجين منها، كانوا جايين ناحيتي، حاولت أربط حزام الأمان بسرعة، كانوا بيجروا ناحيتي عشان يلحقوني، قفلت العربية، وشغلتها وبعدت..

مكانتش عارفة هعمل إيه، لكن على العكس كنت عارفة هبدأ منين.

رجعت البيت، وحكيت لكل جروب الناجين على كل حاجة، قالولي إنهم هيساعدوني، وقلتلهم على وجهتنا الجاية..

خرجت من البيت، وبعد محاولة من بابا وأخويا بمنعي، مقدرتش غير إني أقولهم..

أنا عارفة هي عملت كده ليه 

سكتوا في وسط صدمتهم وكملت:

أنا عايزاكم تثقوا فيا، أنا بحاول أصلح اللي حصل.. أنا لازم أخرج.. 

قطع كلامي صوت التلفزيون، وهو بينقل الأخبار، وصوت المذيع بيقول إن عمليات الإنتحار قلت، وتكاد تكون وقفت..

لكن محدش غيرنا عارف إن الموضوع مجرد وقت..
.
***

كانت الساعة 4 العصر، خرجت لبيت المهندس اللي صمم البرنامج، كان معايا 19 شخص تانيين، كانوا هم القريبين من مجموعة الناجين وقرروا ييجوا معايا.. وواضح إنه كان قرار صائب

لإننا مكناش لوحدنا اللي عاوزين الدليل.
كان فيه حد تاني بيحاول يقتحم البيت، ويظهر إنهم سبقونا.

فضلنا مستنيين، ومش عارفين نتصرف إزاي.. لكنه برده مسابنيش.. حسيته موجود وبيقولي على مكانها..

بصيت على البيت كان بيخرج منه أفراد الأمن اللي بعتتهم المؤسسة.
وواضح إنهم خرجوا فاضيين.

على بُعد 100 متر من البيت، كان فيه كابينة، وتحتها كان فيه مخزن سري، نزلت ومعايا مجموعة من أصدقائي الجداد

وهناك لقيناها، كانت خايفة ومرعوبة.. وسألتني أول ما شافتنا عن ابنها.

حاولت أفهمها إنه بيحبها، بس الوقت فات.. وإن هو اللي بعتني.
كان عندها ألزهايمر، بعد ثواني من انهيارها، نسيت هي كانت زعلانة ليه وسألتني مرة تانية عن ابنها.

بدأت المجموعة تفتش عن الدليل.. وبالفعل لقيناه.
كان فيه مجموعة شرايط مسجل فيها اللي حصل، تطور البرنامج، وازاي غيروه، والضحايا إزاي بتأثر الإرسالات عليهم. وإزاي فيه مُحصنين زي أفراد المؤسسة يقدروا ينجوا من الإشارات المُميتة.  وكان سايب كود وجهاز لابتوب.. فتحناهم، وعلى الشاشة شفنا كل الخطة اللي هو عاوزنا ننفذها.
الخطة المجنونة، اللي هتقلب عليهم الترابيزة.


مهما كانت حكومات البلاد قوية، فالشعوب أقوى، دي الفكرة اللي قامت عليها الخطة البديلة.

اكتشفنا إن فيه 64 دولة موافقة على البرنامج، موافقة على إبادة نص شعبها، بطريقة ذكية هم بنفسهم بيقتلوا نفسهم، أو بيتعرضوا لحوادث غبية.

خرجنا أنا والناجين في فيديو على الانترنت وشرحنا اللي حصل، وطلبنا من كل شخص شايفنا إنه يشترك معانا في ثورتنا.
ثورتنا ضد المحصنين..

كان ممكن نسامح، لكن القصاص كان هو العدل.
بدأ الناس يستقبلوا مننا الملفات اللي مهندس البرنامج صممها.
بدأوا يفعلوها من كل مكان في العالم..

لحسن الحظ، متقدرش تتحكم في شبكة العالم كله في نفس الوقت، متقدرش تنظم قوة كبيرة تردع الشعوب دي كلها في وقت واحد.

الناس صدقونا، وكانوا حزنى على اللي فقدوهم نتيجة للبرنامج.
ومن كل مكان تقريباً انطلقت اشارات مع رنة موبايل عادية للمؤسسة، ولمجلس أعضاءها والمسئولين اللي وافقوا على سياسة البرنامج،

المحصنين كانوا في لعبة جديدة، لكن المرة دي كانوا هم الضحية، واحنا كنا المحميين من الوحش اللي هيقضي عليهم.

لو اخترت تسامح حد كان رافع عليك سلاح، لإن السلاح بقى في إيدك، هتكون أكتر حركة غبية تعملها. لإنك ساعة ما بتختار تنزل إيدك، بيبدأ يهاجمك مرة تانية.

واحنا عرفنا امتى نوجه ضربتنا. واجه المسئولين أسوأ مخاوفهم، وانتهوا نفس النهاية اللي كانوا عاوزينها لينا..

العالم مش محتاج يفقد نص سكانه عشان يكون مكان أفضل، العالم هيكون مكان أفضل بعد ما فقد نص أشراره.

__

رجعت البيت بعد أيام، وأبويا وأخويا حضنوني، عرفوا إن كان ليا إيد في اللي حصل، وفي كشف البرنامج..

كانوا مبسوطين إني رجعت، لكني مكنتش راجعة لوحدي..
معايا أم مستنية لسه إبنها يرجع، وبتنسى إنه مش راجع. بابا واخويا ما اعترضوش لما عرفوا حالتها

وأنا كنت بنت مستنية أمها ترجع.. ولو إن كل اللي حصل ما قدرش برده إنه يرجعها..

لكن شئ كويس إن الحياة تديك فرصة تانية، شخص تاني تجرب معاه نفس الاحساس، حتى لو مش هيعوضك عن اللي راح، لكنه هيملى فراغ في كرسي على السفرة..

دلوقتي أنا شايلة أخر طبق هحطه على السفرة، أبويا وأخويا، وأمي الروحية قاعدين على السفرة، بيضحكوا، ومستنييني..

***

النهاية






تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جزء مفقود في الترجمة

Black Mirror - New written episode.

مبقاش سر