لم الشمل مع الأموات - Reunion with the dead



 إيه أكتر حاجة بتخاف منها لما النور يقطع، أو الضلمة تحاوطك من كل إتجاه؟
بتخاف حد يلمسك؟ بتخاف تسمع صوت أنفاس تقيلة جنب ودانك؟ بتخاف تشوف طيف أبيض بيلف حواليك؟ ولا بتخاف علشان بتكتشف إن كل حاجة حواليك هي مجرد نتاج للتكنولوجيا، حتى أبوك، وأمك!

اللي حصل إن لما النور قطع، كل حياتي اختفت، واكتشفت وافتكرت، إن كل ده كان وهم.. وإن أنا دلوقتي فقت.
في عالم التكنولوجيا قدرت فيه تعمل كل حاجة كانت مستحيلة قبل كده، اكتشفت بالصدفة إن أبويا وأمي ماتوا. لكني وبسبب تعرضي لصدمة عصبية وانهيار نتيجة موتهم المؤلم، استمريت في حالة الإنكار لمدة طويلة، والمصحة اللي كانت مسئولة عن علاجي قرروا يقدموا ليا في مشروع تجريبي سري، مشروع عودة المفقودين.. المرضى النفسيين هم أفضل فران تجارب كانت المؤسسة تقدر تحصل عليهم. بالأدوية ممكن تتحكم فيهم زي ما يكونوا كلاب مطيعة للتدريب. وده اللي حصل معايا. بعد شهور وأنا تعبان من فقدان أبويا وأمي الحقيقيين، المصحة قالتلي إن فيه زيارة مميزة جدا، لدرجة إن استعدادي ليها تطلب أسبوع كامل من الانضباط في مواعيد الدوا، والأكل وجلسات التأمل. خرجت وأنا في أحسن صورة ليا من شهور ودخلت أوضة تانية ضلمة. حطوا قدامي تليفون محمول، وسابوني وسمعت صوت قفل الباب بالكهربا. الصوت التقيل اللي بيرعبني. أنا بخاف من الضلمة. بس لما التليفون رن. فتحته وحطيته على ودني، وسمعتها بتقولي وحشتني يا حبيبي أنا نفسي أشوفك أوي، إحنا الاتنين نفسنا نشوفك جسمي ارتعش لما سمعت صوتها. كان صوت أمي! أمي الميتة اللي بسبب موتها أنا موجود في المكان ده وقربت أفقد عقلي.
بكيت، ومكنتش عارف أتكلم ولا أرد، مكنتش عاوز أسمع صوت أي بني آدم تاني بعد صوتها.
كملت كلام وقالتلي: حبيبي، لازم تصدق إن المعجزات ممكن تحصل، أنا محتاجة أسمعك وإنت بتقولهالي.. محتاجة أسمع صوتك بتقولي تعالي وخديني 

بكيت بحُرقة أكتر، وصوتي ضاع مني أكتر، لكني تمالكت نفسي، وقلت بصوت مبحوح أنا محتاجلك يا أمي، محتاجلكم ومحتاج لحبكم، ياريت لو ينفع أشوفكم، هتكون أخر حاجة أتمناها في الحياة 

ساعتها قالتلي زي ما كانت دايماً بتقولي
Good boy!”
والخط قفل..
بصيت في الموبايل، حاولت أتصل مرة تانية بالرقم نفسه، لكن اللي حصل هو إن الباب إتفتح.

المكان من بره كان متغير، طرقة طويلة مشيت فيها لحد ما وصلت لباب أوضة كان ظاهر من وراها صوت مزيكا أنا عارفها كويس، نفس الأغاني اللي كنا بنشغلها إحنا التلاتة ونرقص عليها، كنت بحب أغيظ بابا وأرقص مع ماما وهو يتفرج علينا، لحد ما هي تلاحظ إنه زعل، وتطلب منه يرقص معاها، وأقعد، أبصلهم، وأبتسم لأن دي كانت أحلى حاجة في الحياة.

حطيت إيدي على أوكرة الباب وفتحته، ماما كانت جوه، وبابا كان معاها، بصولي وقالولي تعالى، إنت اتأخرت!

دخلت، وسمعت صوت الباب ورايا بيتقفل، رحت ناحيتهم وحضنتهم حضن طويل، كانوا حقيقيين.. لو ده حلم أتمنى إنه ما يخلصش. أتمنى أموت وأنا نايم عشان يكون أخر حاجة شفتها.

وأمنيتي اتحققت. فضلت عايش مع أبويا وأمي لمدة سنة كاملة، نسيت إني في يوم فقدتهم، نسيت اللي حصل، نفس الباب اللي دخلت منه اختفى، مكنتش بسأل حتى نفسي إيه اللي بيحصل وإزاي. لحد النهاردة لما النور لأول مرة قطع.. لما صحيت من الحلم.


المصحة والمؤسسة اللي عملت مشروع عودة المفقودين، كانوا في كارثة حقيقية. السيستم بتاعهم تمت مهاجمته، واحدة من أهالي المشتركين في البرامج قررت تتصالح مع أخوها المدمن وبدأت تسأل عليه، المصحة كانت حريصة جداً في اختياراتها للمشتركين في التجربة، لازم تختارهم مقطوعين من شجرة عشان محدش يسأل عليهم. لكنها كانت أخته من الأم، واسمهم مختلف. وبعد ما تم تسريب معلومات ليها عن احتمال اشتراك أخوها في تجربة غير آدمية. قررت تستمر في بحثها عنه، واللي عرفته وأنا بتسلل من الأوضة بعد ما صحيت، إنها السبب في اختراق نظام المؤسسة. اللي تسبب في توقف عدد من الأجهزة اللي كانت متصلة ببعض المشاركين، زيي.

أسبوع التحضير كان مهم عشان كلنا هنتحط في سُبات عميق، وطويل، هنتحبس جوه عقولنا، ونعيش الحياة اللي بنتمناها في خيالنا، مع قلة الموارد الطبيعية، رواد التكنولوجيا اقترحوا البرنامج على الحكومة لتقليل استهلاك الموارد والأكل، وإنهم لو قدروا يعمموا التجربة على كل المرضى النفسيين في العالم، والعناصر الغير منتجة أو مفيدة للبشرية، هم هينقذوا الكوكب كله والبشرية نفسها من خطر المجاعات، والتلوث، والاستنزاف.
في وجهة نظر المؤسسة إن مشروعها كان رحيم لإنه بيحافظ على أرواح وعقول المشاركين دون اهدارها، بل وبيحققلهم سعادة أبدية، من غير شقاء، وحزن، ومتاعب.
صاحب المشروع كان شايف إنه فنان وبيقدم فنه للبشرية كهدية، كان دايماً يقول
لقد اخترعنا الفن لكي لا نموت من الحقيقة والمشروع ده هو الفن بتاعه اللي بيحمي الموجوعين من الضياع.
لكن الحكومة رفضت البرنامج لإنه غير آدمي، وبيحرم الأفراد من ممارسة حياتها بشكل طبيعي.

بعد 15 دقيقة من معرفتي وادراكي لكل ده حسيت بانهيار.. كان فيه عدد كبير من العاملين بالمؤسسة بيحاولوا يتداركوا الموقف، صوت الإنذار ملى المكان، بيتم إخلاء المؤسسة بأسرع ما يمكن لإنها على وشك الإنفجار.

عقلي مكانش قادر يستوعب كل اللي عرفته مرة واحدة، أنا عاوز أرجع لأبويا وأمي، أنا مش هقدر أرجع أفقدهم وأعيش المشاعر دي مرة تانية.
أنا متأكد إنهم كانوا حقيقيين.. فضلت أدوّر عليهم في كل مكان، مكانوش موجودين، وصلت لأوضة كبيرة، كان شغال جواها مقطوعة موسيقية ومن تحت عقبها كان فيه ضوء.
دخلت.. لقيت عدد من المهندسين شغالين على إعادة النظام، راجل كبير واقف وبيحاولوا يوصلوه بأسلاك، ومحاليل، وعلى راسه خوذه!

حاولوا يخرجوني لكني كنت عاوز أفهم، قالولي إنهم محتاجين لشخص يقوم بالتجربة مرة تانية، مفهمتش ليه، لكنهم قالولي إن التجربة إنقاذها متوقف على إن شخص يكون جواها، وساعتها هيقدروا يسترجعوا كل البيانات اللي تخص المشروع والتجربة، ويقدروا مرة تانية يقيموه بعد ما إتدمر.

عرفت إن اللي بيضحي بنفسه كان هو صاحب الفكرة من الاساس.
لكنه مكانش مستعد، زيي!
وإن مفيش بروفايل ليه ولا بيانات يقدروا يغذوا بيها تجربته، زي الأصوات، والروايح، والمحادثات، والأشخاص.
عرضت عليهم أقوم بده، وأرجع مرة تانية. لكنهم كانوا صريحين معايا، قالولي لو قمت بده ممكن أموت أثناء رجوعي. وإني يستحيل هقدر ساعتها أرجع، أو حتى أعرف لو كنت عايش أو ميت!

وافقت، وبسرعة اتحركوا عشان يرجعوني مرة تانية.
حسيت بوخز في دماغي أول ما حطيت الخوذة، غمضت عيني، وقدرت أسمع صوت نفس الأغنية، وصوت أمي بتنادي عليا، شميت ريحة حريق، ولما سألت أمي لو بتعمل حاجة على البوتاجاز، قالتلي لأ.
اتأكدت بنفسي، وخرجت للجنينة، مالقتش مصدر الريحة. فجأة حصل زلزال قوي.

سألت نفسي لو كنت أخدت القرار الصح.
بس لما شفت ضحكة أمي، مفكرتش.
عايش، أو ميت.. مش مهم، المهم إني رجعتلهم.. المهم إني هفضل معاهم، للأبد.  

لقد اخترعنا الفن، لكي لا نموت من الحقيقة 


تعليقات

  1. Caesars Entertainment - Dr. MD
    Find 김천 출장마사지 the BEST and 거제 출장안마 Largest Casino & Resort in 구미 출장마사지 Maryland! Featuring a variety of table games, sports betting 계룡 출장안마 & live 거제 출장마사지 entertainment, you'll feel like you've never

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جزء مفقود في الترجمة

Black Mirror - New written episode.

مبقاش سر